قال الدكتور عثمان محمد عثمان، وزير التخطيط الأسبق، إن الأغنياء لم يخسروا كثيراً بسبب ثورة يوليو 1952، مؤكداً أن الطبقة الوسطى استفادت من الانفتاح، داعياً إلى تفاوض عاجل مع صندوق النقد الدولى.
وأضاف «عثمان»، في أول حوار له منذ تركه الوزارة في مستهل 2011، أن أسباب ثورة يناير سياسية وليست اقتصادية، مشيداً بحكومة أحمد نظيف التي أكد أنها لو استمرت لأصبحت مصر «نمراً» على النيل. واعتبر الفقر في مصر أهون مما في الهند أو البرازيل أو الصين، لافتاً إلى أن مبارك كان يتصور أنه سيحكم لآخر العمر.. وإلى نص الحوار:
■ ذكرت في كتابك أن فقراء مصر أسعد حظاً من فقراء الهند والصين والبرازيل.. كيف ذلك والناس تعانى؟
- قلت في نفس العبارة إن 60% من المصريين يعيشون على مستويات دخل أقل من أفقر 1% في أمريكا، أي الأشد فقراً هناك.
■ قيل إنك اعتزمت كتابة مذكراتك ثم تراجعت؟
- المزاج العام متغير، وأعتقد أن الجميع بصدد أن ينشغلوا أكثر بالمستقبل، ولقد فقدنا الكثير في الأعوام الخمسة الماضية، وأمامنا تحديات شاقة للغاية، ومن هنا صرفت النظر عن المذكرات فما فيها يخص الماضى، لكن أمضيت الوقت في تأليف كتاب «التنمية العادلة»، والذى ظهر مؤخراً، وأملى أن يخدم ما نصبو إليه من تحقيق نمو قوى ومستمر مع عدالة توزيع.
■ تبدو متحيزاً لفترة أحمد نظيف مع أن كثيرين يرون أن تفاقم عدم العدالة فيها من أسباب ثورة يناير؟
- هناك مقولات وافتراضات تقال كثيرا، لكنها للأسف خطأ، مثل القول السابق، وكل محاولاتى لتوضيح الأمر كانت تصطدم بردود فيها خلط بين الاعتبارات العلمية والسياسية، ولقد تحققت قفزة في النمو في ذاك الوقت لكن هناك من رأى وقتها- ولا يزال يرى- أن النمو ليس مهماً والأهم التوزيع مثل الدكتور جلال أمين مثلاً، وهناك من يقول حدث نمو ولكن لم يصل للناس، وطبقا لنتائج المسوح وبيانات الدخل والإنفاق ونصيب الأجور من الناتج والتى نشرتها في كتابى، فالمقولتان «غلط»، ولقد تراجعت مؤشرات الفقر يقينا من 2005 إلى 2008، والغريب أنه كان هناك داخل مجلس وزراء «نظيف» نفسه من لا يرغب في أن يصدق أن الاقتصاد المصرى بدأ الانطلاق وحقق إنجازات، إذا استكملها، كانت مصر ستصبح مثل دول شرق آسيا «نمر على النيل» كما قلنا وقتها.
■ قيل إن رهان حكومة نظيف على تساقط ثمار النمو على الجماهير كان خاطئا ولم يشعر به الناس فحسب ولكنهم تألموا أيضاً؟
- كل من كتب عن الأوضاع في مصر قبل الثورة أكد حقيقة أن الاقتصاد كان يحقق نمواً ومؤشرات غاية في الإيجابية، ولهذا فاعتقادى الجازم أن دوافع ثورة يناير «سياسية» وليست «اقتصادية»، وعندما نجحت أنا وقتها في إثبات أن الوضع الاقتصادى جيد، بدأت تظهر مقولة «أيوة لكن الناس لا تشعر به»، فاستعنا بالبنك الدولى وإحصاءات الجهاز المركزى، ونتائج بحث الدخل والإنفاق الذي أصبح كل عامين بدلا عن 5 (والآن كل عام) وبتحليل البيانات لم تتغير النتيجة، وأجرينا استقصاء على عينة من الجمهور كان قد تم بحثها في 2005 وقارنا وضعهم في 2008 وثبت أن هناك تراجعاً في معدل الفقر.
■ لكن بحث الدكتورة هناء خيرالدين والدكتورة هبة الليثى الشهير أثبت عكس ذلك آنذاك؟
- غير صحيح، كل ما تم إجراؤه محليا أو دوليا من بحوث قبل 2011 كان في نفس الاتجاه ولذلك، فالبنك الدولى خرج وقتها بتفسير لذلك، فالمواطن يرى أنه لو شعر بتحسن وآخر تحسن بشكل أكبر، فسيكون غير راض، فالأوضاع تحسنت ولكن الفوارق الطبقية زادت وهذه قصة أخرى.
■ من النتائج الصادمة في كتابك أن الطبقة المتوسطة استفادت في السبعينيات (زمن الانفتاح) أكثر من الستينيات؟
- الطبقة المتوسطة تربحت من كل الأنظمة، وهى في قلب العملية السياسية والبيروقراطية وحقيقة الدولة العميقة في الطبقة المتوسطة وهى تعرقل كل التغيرات السياسية، خوفا من سحب شىء منها، وقد زاد نصيبها من الدخل في السبعينيات بالفعل خلافا لكل ما هو شائع.
■ قلت في كتابك أيضاً إن أغنى 10% من السكان لم يفقدوا إلا جزءا طفيفا من نصيبهم في الدخل أيام «عبدالناصر»؟
- نعم، وبالتالى فكل هذا البكاء على ما تم فقده وعلى جرحى ثورة يوليو، ليس في محله أيضاً.
■ هل حدث نمو بعد عام 2005؟
- نعم، فتغير القواعد على أيدى مجموعة اقتصادية واعية قلب الموازين. وبالرغم مما قيل إنها حكومة رجال أعمال لوجود «رشيد محمد رشيد والمغربى وجرانة» فأختلف مع ذلك، فقفزة النمو والاستثمار من 2005 حتى 2010 هي نتاج عمل نفس الرأسمالية المصرية.
■ كيف؟
- القوانين كانت عائقا، أصبحت مساندا بسبب المجموعة التي تعلمت في الغرب وتتحدث لغة اقتصادية مجردة، ومنها الدكتور يوسف بطرس غالى الذي كان وما زال إنجازه المتمثل في تغيير فلسفة قانون الضرائب محل تقدير. صحيح البداية من الدكتور مدحت حسانين ولكن الفضل ليوسف.
■ البعض في الدوائر الرسمية كان يرى في يوسف بطرس خصما لدودا.. فماذا عنك.. وهل ساندته في قانون الضرائب؟
- يوسف عقلية كبيرة وأنا على تواصل معه، وكان مؤلما أن يتوفى والده، ولا يستطيع تشييع جثمانه، وأذكر أننا عندما انتهيا من إعداد قانون الضرائب وكنا في انتظار «مبارك» وعندما جاء سلم على يوسف، وسأله عن القانون، فرد يوسف بأن زوجته قالت له: «أنا خايفة عليك أحسن الحصيلة تنقص وكله يهاجمك»، وقلت أنا «والله يا ريس ده وزير دقرم وده قانون جيد وأؤكد لسيادتك أن الحصيلة حتزيد»، وقد حدث.
■ لكن يوسف بطرس ألغى إقرار الثروة ولهذا هلل الأغنياء لقانون الضرائب؟
- يوسف كوزير مالية كان واقعيا، وقال في أكثر من مرة: «لا بد من توسيع القاعدة وتشجيع الناس على دفع الضرائب وكسب ثقتهم حتى ينتعش النشاط الاقتصادى.
■ هل عاد القطاع الخاص إلى سيرته القديمة بعد رحيل حكومة نظيف؟
- أداؤه، كأمور كثيرة، مرتبك، ولا ننسى أن القطاع الخاص «خد على دماغه» في الستينيات، ولا يزال حذرا، وخط الدفاع الأخير في أوقات الأزمات ظل وكان وبقى هو «الجيش» عن حق.
■ هل يستطيع «الجيش» أن يكون بديلا.. هل هو خائف من نموذج عبدالناصر؟
- نموذج عبدالناصر غير وارد أو مطروح الآن كما يشاع، وبالمناسبة لا أحد يعرف القوى السياسية التي تساند النظام وتعتقد أنه الحامى لمصالحها، والرأى العام به مجموعة تؤيد الرئيس نعم، ولكن في الممارسة والتنفيذ لا بد من قوى محددة في الواقع تسانده.
■ ما الخلل الجوهرى في وضعنا الحالى برأيك؟
- مشكلة مصر الأساسية هي عدم تبلور القوى الاجتماعية وعدم وضوح المصالح بالتبعية، لهذا لا يوجد حوار حقيقى، ولا أحد يستطيع الادعاء أنه يمثل تياراً اجتماعياً معيناً، والحديث الشعبوى لا يزال له جاذبية وهو خطر شديد على التقدم وعلى التنمية.
■ «الشعبوية» نتيجة طبيعية لتدهور التعليم؟
- لن أناقش ذلك لكن المحصلة أن الكل يتحدث عن الفقر والفقراء، ويطالب من جانب آخر بترشيد الدعم، ويتباكى على عجز الموازنة، وأحيانا ما يكون الدفاع عن الفقراء حق يراد به باطل، فالذين ينهبون الدعم يريدون له أن يستمر ويتسع.
■ نحن بصدد دورة تضخم قاسية فما هي خبرة مواجهة ذلك في ضوء تجربة تعويم الجنيه في 2003؟
- بعد تخفيض العملة عام 2003 وصل الدولار في البداية إلى 7 جنيهات قبل أن يتراجع، و«الدنيا قامت» وقرر الحزب الوطنى مساعدة الفقراء وتم عمل اجتماع مع قيادات الحزب بحضور صفوت الشريف وجمال مبارك وعاطف عبيد رئيس الوزراء، ونواب وقيادات في الحزب ضغطت بشدة لزيادة عدد السلع على البطاقة، وتم ذلك رغم عدم الاقتناع ودخل الفول المدمس والعدس والمكرونة، وأسابيع وكتبت الجرائد عن رداءة السلع أو أنها غير موجودة وطلبت من ماجد عثمان، عمل استقصاء وكانت النتائج أن الناس لا ترغب في هذا، وهذا مثال يوضح العلاج الخاطئ للتضخم.
■ وما العلاج الصحيح؟
- زيادة الإنتاج المحلى، وتحجيم عجز الموازنة العامة، فإنتاجية الصناعة في الستينيات ارتفعت، في ظل تقييد الاستيراد، وكان الأمر يشبه فترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، حيث انتعشت الصناعة في مصر خلالها مع توقف الاستيراد بسبب الحرب.
■ قلت نقلا عن البنك الدولى إنه بدون دعم الغذاء يزيد الفقر إلى 33% بدلا من 22%؟
- نعم، لكن فليتم تحويله إلى الدعم النقدى ونوجهه إلى الـ40% المستحقين «محدش عايز يواجه»، وفى كروت البنزين نفس الشىء اللى بياخد بنزين رخيص يقولك وليه أخده أغلى؟!
■ الجمهور ليس مستعداً لسماع كلمة «ترشيد» خاصة وهو يرى «البذخ» واضحا؟
- على المستوى الاقتصادى ما خسرته مصر كثير ولا يمكن تعويضه بسهولة، ولكن لا بد أن نبدأ سياسات تبعد تماما عن الارتجال، نحن في اقتصاد محدود الموارد ولدينا مأزق في المياه والطاقة والعملة... إلخ، وأرى أن من المستحيل الاستمرار في زيادة الاستهلاك والوفاء بالخدمات العامة بمستوى جيد في نفس الوقت، وهناك مظاهر ترف كثيرة لاشك، لكن حلها في أن يتحمل كل طرف مسؤوليته كما قلت بما في ذلك القطاع الخاص الذي يجب أن يدافع عن سوقه، ويزيد إنتاج السلع والخدمات ويخلق فرص عمل ويدفع ضرائب.
■ هناك نظرية تقول إن «مصر شعب غنى وحكومة فقيرة»؟
- هو «مش غنى قوى يعنى» بس أنا ضد عدم صحة انخفاض معدل الادخار في مصر، فالقطاع العائلى يدخر مدخرات معقولة ولكن الحكومة تسحب منها لتمويل العجز «تدخر بالسالب»، والواقع أثبت من خلال الـ64 مليارا لقناة السويس والإقبال الشديد على مشروع الإسكان الاجتماعى 400 ألف وحدة وغيرهما.. القطاع العائلى لديه مدخرات.
■ قلت مراراً إن الفقراء محدودون والدكتور عاطف عبيد كان يقول إن «عثمان» عارفهم بالاسم، لكن في المقابل لا نعرف الأغنياء!
- لا نريد معرفتهم بمعنى شخصنة المعرفة، وإنما نريد فقط أن نتأكد أنهم ملتزمون بمسؤوليتهم في أن يفتحوا مصانع وشركات.
■ قيل مجموعة نظيف كانوا «أهل بزنس» لا «صناعة» ما رأيك؟
- ما لا يعرفه الناس أنه تم وضع خطة 2002- 2007 قبل مجىء حكومة «نظيف» وعندما دخل «رشيد» الوزارة ونحن نعد الخطة السنوية وكان الاقتصاد سيئا 2004 وقال إن قطاع الصناعة لا بد أن ينمو 10% طبقا للخطة وبالتالى لابد من حوافز وبرنامج عمل وقدمه فعلا عام 2005 في مؤتمر الحزب، وأعلن عن الـ1000 مصنع، وتم اقتراح منح 15 ألف جنيه لكل من يخلق فرصة عمل هناك و«هاجت الدنيا وماجت»، فقلنا «بلاش» فلم يجئ إلينا أحد «يوحد الله»، والكل خاف من إظهار أوراقه.
■ كيف استقبلت خبر من عملوا في عالم خلط القمح المستورد بالمحلى لسرقة الدعم والتوريد الوهمى؟
- «هم لعبوا على أن الوزير يجلس في مكتبه يرى الرايجة ويمشى معها» أي نريد زيادة توريدات القمح للتفاخر بها «ماشى»، لم يسأل المسوؤل نفسه عن تاريخ التوريد في مصر ولا مساحة الأرض المزروعة ولا الإنتاجية، فأخذ يردد أرقام زيادة التوريد كل ساعة إلى أن فوجىء بالخبر المؤسف.
■ هناك مسؤولية على جهاز التعبئة والإحصاء وعلى وزارة التخطيط أيضاً؟
- الإرشاد الزراعى ومعهد البحوث الزراعية وإدارة البحوث الاقتصادية بوزارة الزراعة كانت مهمتها رصد إنتاجية المحاصيل المختلفة، وذهبنا مرة مع الدكتور يوسف والى، لوادى الفارغ بالصحراء الغربية لمعاينة مزرعة جديدة، وكنت أريد مجاملته، فقلت له «ليه الأرض التي تم استصلاحها لا تظهر نتائجها في التوريد وكمية المحصول وحجم الإنتاج الزراعى؟»، فقال «إحنا بناخد البيانات من عند التخطيط».
■ كنت شاهدا على التغيير المفاجئ في مجلس إدارة هيئة البترول وإدخال وزراء فيه وقت نظيف وسامح فهمى.. ما خلفية ذلك؟
- قطاع البترول في مصر «بلاك بوكس» أكثر من صندوق الطيارة، وكل محالاوت معرفة ما لقطاع البترول وما عليه واجهت صعوبات شديدة جدا.
■ كان يمكن على الأقل ترشيد دعم الطاقة منذ وقت مبكر؟
- عملنا خطة في 2005 لترشيد لدعم، واتخذنا بعض الإجراءات في مايو 2008، لكن المقاومة كانت شديدة، وأذكر أنى قلت لأعضاء البرلمان إن الخطة والموازنة تصدران بقانون، أي هما مسؤولية البرلمان، وليس الحكومة فما تقدمه الحكومة هو مجرد مشروع، يحق للبرلمان أن يرفض ويعدل فيهما ويضع بدائل، لكن الحوار سار على نفس الوتيرة، «مطالبات بخفض العجز دون قبول أي إجراءات لزيادة الإيرادات».
■ ما تقديرك لحجم الفساد في مصر؟
- الفساد في الجهاز البيروقراطى. وفى عدم الالتزام بالقانون أو الإجراءات، وفى توريد القمح والأرز والاتجار في السلع المدعومة وبعض تراخيص المصانع والأراضى والمبانى.
■ لكن هناك أيضا فساد قطاع خاص لقطاع خاص على حساب المجتمع والمساهمين؟
- أوافق على ذلك.
■ عايشت تجربة تحرير العملة في 2003.. فهل تمت بشكل مدروس؟
- نعم.
■ وهل أنت مع تحرير العملة حاليا؟
- «من الآخر» لازم نصل لطلب نصيحة البنك الدولى ولابد أن نعود إلى نصيحة صندوق النقد والاتفاق معه على طريق للإصلاح واستعادة التوازن والاستقرار النقدى والتأسيس لبدء قوة دفع للنموالاقتصادى، فلايمكن إقامة عدالة اجتماعية في ظل تدهور «عملة» وعجز مدفوعات وعدم نمو وبطالة وتضخم.
■ لكن المشير طنطاوى لم يكن متحمسا للاتفاق مع الصندوق ومرسى الإخوان خاف من الاتفاق مع الصندوق وحاليا يوجد تردد!
- هناك خلفيات سياسية وراء رفض المشير للاتفاق مع الصندوق، ربما تكون تجربة رجال الأعمال في الحكم في عهد «نظيف» وتشجيع جمال مبارك للبعض منهم قد جعلته يعتقد أن الاتفاق سيولد مزيدا من ضغوط مجتمع الأعمال على تركيبة النظام.
■ علمنا أن جهات عليا سألتك عن إصلاح قطاع الأعمال العام؟
- كان رأيى منذ فترة أنه لابد من عودة وزارة لقطاع الأعمال العام وقد عادت بالفعل وعموما لابد من مراجعة موقف الشركات بوضوح طبقا لموقفها المالى.
■ هل شاركت في رؤية مصر 2030؟
- لا بد من وضع رؤية من تحديد موقف مما جرى في الاقتصاد قبل 2011 وهل هو مسؤول عن نزول الناس الشوارع أم أمر آخر؟ أرى أنه تم اتخاذ الاقتصاد وعدم تساقط ثمار النمو بمثابة حجة وسحابة دخان، فالخلاف الحقيقى هو سياسى حول الحريات والمشاركة السياسية وهذه معضلة حقيقية.
■ لماذا لم تنجح كل محاولات إصلاح بنك الاستثمار القومى حتى الآن؟
- طبقا للقانون البنك يجمع حصيلة شهادات الاستثمار وودائع التوفير بالبريد وشهادات الاستثمار التي يصدرها البنك الأهلى وفائض صناديق التأمين لتمويل مشروعات الدولة وحتى يكون له محفظة بدأ يدخل في مشاركة بعض المشروعات، لكن دوره الأساسى بقى كما هو، ومديونيته للصناديق التأمينية أصبحت ضخمة والفائض تحول إلى عجز والصناديق تدفع معاشات أكثر من الاشتراكات والمالية ملتزمة بسداد الفارق، أي من ناحية التأمينات، لا خوف على المعاشات ولكن كبنك أصبح دوره محدودا ونسبة ما يمول من مشروعات عامة من البنك محدودة.
■ ماذا عن كفاءة تمويله لتلك المشاريع؟
- متابعة البنك لما يموله كانت تتم ماليا أي التأكد من أن المشروع ضمن الخطة ومخصص له استثمارات معينة، ومن خلال التأكد من المستخلصات وحجم المنفذ من الأعمال، وميدانيا تقلص هذا «السيستم» ليقتصر على المتابعة المالية فقط.
■ تحدثت عن قربك من «مبارك» والسؤال: ألم يكن على دراية بأن الأرض تتحرك تحته قبل ثورة يناير؟
- منذ 2005 كان من الواضح أن هناك عملية تصعيد لدور الإخوان بمساندة من أطراف بالخارج، لكن الغريب أن بعض الأطراف النافذة في الحكم كانت تدفع باتجاه ذلك بمبررات مختلفة، وما أعلمه أنه دار اجتماع في سبتمبر 2010 بحضور فايزة أبوالنجا لمناقشة قضية التمويل الأجنبى، وتم طرح القضية بكل أبعادها على الرئيس بتفاصيل مملة وصلت إلى حد ذكر الأفراد الذين لم يكن يعرفهم أحد إلا بعد ثورة يناير 2011، وكان ما يعنى مبارك ألا يعمل «المعهدان الجمهورى والديمقراطى» في مصر دون ترخيص، لأنه اعتبر ذلك إهانة للبلد، وظنى أن مبارك كان يظن أنه سيحكم حتى آخر نفس، وبالتالى لم يقدر حجم ما جرى إلا في وقت متأخر، ولم يكن مفر من أن يرحل.
من هو؟
حصل الدكتور عثمان محمد عثمان على بكالوريوس الاقتصاد من جامعة القاهر عام 69 والماجستير والدكتوراه في اقتصاديات تخطيط التنمية من مدرسة براغ للاقتصاد بتشيكوسلوفاكيا.
استكمل دراسات ما بعد الدكتوراه في ماساتشوستس «إم إى تى» بالولايات المتحدة الأمريكية، وعمل مستشارا للعديد من الجهات قبل انضمامه للحكومة، منها صندوق النقد الدولى ومنظمة العمل الدولية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائى ومنظمة اليونيسيف.
وشغل منصب مدير معهد التخطيط القومى، ثم وزير التخطيط والتنمية الاقتصادية في الفترة من 2001 حتى 2011، وهو حاليا أستاذ بمعهد التخطيط القومى، وأصدر مؤخرا كتاب (التنمية العادلة: النمو الاقتصادى.. توزيع الدخل.. مشكله الفقر)
وقد اختار مجلس إدارة معهد التخطيط «عثمان» مؤخرا رئيسا لتحرير مجلة «التخطيط والتنمية»، وهى مجلة علمية يصدرها المعهد.