يعصف زلزال الخروج البريطانى من الاتحاد الأوروبى بحزبى العمال المعارض والمحافظين الحاكم على حد سواء، حيث اتسع حجم التصدعات فى حزب العمال المعارض باستقالة عدد من وزرائه، مع مخاوف قيادات حزب المحافظين من وصول رئيس بلدية لندن السابق بوريس جونسون إلى زعامة الحزب خلفا لرئيس الوزراء ديفيد كاميرون، مع تصاعد الدعوات لانفصال أسكتلندا مجددا، وسط تحركات دولية مكثفة لاستيعاب الموقف وتصحيح مسار العلاقات مع لندن على ضوء التطورات الأخيرة.
أقدم زعيم حزب العمال المعارض جيريمى كوربين على عزل وزير خارجية حكومة الظل هيلارى بين، أمس، مما أدخل الحزب فى صراع مفتوح بعد استفتاء الخميس الماضى، بينما طالب نواب برلمانيون «كوربين» بالاستقالة، انطلاقا من أنه لم يتمكن من تهدئة مخاوف المؤيدين التقليديين للحزب بشأن الاتحاد الأوروبى.
وذكرت تقارير إخبارية أن نصف أعضاء حكومة الظل يعتزمون الاستقالة بعد عزل «بين»، وتضامنت معها وزيرة الصحة فى الحكومة هيدى ألكسندر وقدمت استقالتها، مؤكدة أن بريطانيا تحتاج إلى معارضة «قادرة على تطوير بديل ذى مصداقية وملهم ليحل مكان الحزب المحافظ الذى يميل بشكل متزايد ناحية اليمين وينظر إلى الوراء».
ووجهت ألكسندر حديثها إلى «كوربين» قائلة: «بقدر ما أحترمك كرجل مبادئ، لا أعتقد أنك تتمتع بالقدرة على إعداد الردود المطلوبة من جانب الدولة». وتهدد تلك التطورات بانهيار الحزب الذى كان يطالب بالبقاء داخل الاتحاد الأوروبى، على الرغم من الدعوات المطالبة بالهدوء والاتحاد ونبذ الانقسامات.
جاء ذلك فى الوقت الذى أعلن فيه وزير الخارجية البريطانى فيليب هاموند أن مجلس الوزراء سيستمر فى عمله لحين اختيار رئيس وزراء جديد، موضحا أن حرمان بريطانيا من دخول السوق الأوروبية الموحدة بعد قرار الخروج سيكون «كارثيا» على البلاد، وقال إنه لن يكون بوسع بلاده الاحتفاظ بحقها فى حرية دخول السوق وسط السيطرة الكاملة على الهجرة من الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى.
ويواجه حزب المحافظين، بدوره، أزمة استقرار بعد صعود نجم السياسى البريطانى بوريس جونسون فى الأيام الأخيرة، لخلافة رئيس الوزراء المستقيل ديفيد كاميرون، إلا أن الطريق ليس سهلا أمامه فى ظل وجود 5 مرشحين فى حزب المحافظين ينافسونه على زعامة الحزب والحكومة، أبرزهم وزيرة الداخلية تيريزا ماى، والمالية جورج أوزبورن. ويحظى جونسون بفرصة كبيرة فى الفوز، لدوره فى الحملة المؤيدة لخروج بريطانيا، غير أن قياديين فى «المحافظين» يخشون أن تؤدى نتائج الاستفتاء إلى اندثار الحزب، مع ارتفاع نسبة النادمين على قرارهم بالانسحاب.
وذكرت صحيفة (ذا صنداى تيلجراف) أن جونسون، حامل لواء حملة الانسحاب من الاتحاد الأوروبى، كشف عن نيته الترشح لخلافة كاميرون، الأمر الذى سيجرى بشكل رسمى فى المؤتمر السنوى للحزب فى أكتوبر القادم. وذكرت الصحيفة أن وزير العدل البريطانى مايكل جوف، الذى دعم «بريكسيت»، مستعد لأن يكون نائبا لجونسون ولا يعتزم المنافسة على منصب رئيس الوزراء.
وفى سياق متصل، ارتفع عدد الموقعين على عريضة المطالبة بـ «استفتاء ثان» إلى أكثر من مليونين ونصف المليون شخص بريطانى، حيث تتصاعد التوقيعات بمعدل يقترب من 10 آلاف توقيع عبر موقع البرلمان البريطانى على الإنترنت فى كل دقيقة.
وفى غضون ذلك، أعلنت رئيسة وزراء أسكتلندا نيكولا ستيرجن، أمس، أن من مسؤوليتها التفاوض مع الاتحاد الأوروبى لمحاولة حماية مصالح بلادها التى أيدت بقاء بريطانيا فى الاتحاد الأوروبى، وأضافت لهيئة الإذاعة البريطانية (بى.بى.سي): «التحدى الذى يواجهنى الآن كرئيسة للوزراء هو التوصل إلى أفضل وسيلة لحماية مصالح أسكتلندا والحيلولة دون خروجنا من الاتحاد الأوروبى دون إرادتنا مع كل العواقب المضرة والمؤلمة التى ستتبع ذلك».
وأكدت أن «المملكة المتحدة التى صوتت اسكتلندا فى 2014 للبقاء فيها لم تعد موجودة»، مشيرة إلى أنه من «المرجح جدا» إجراء استفتاء جديد بعدما صوت البريطانيون للخروج من الاتحاد الأوروبى. وأضافت: «سأبذل كل ما فى وسعى لحماية مصالح الأسكتلنديين».
وخلافا للبريطانيين، صوتت غالبية الأسكتلنديين للبقاء فى الاتحاد الأوروبى. وقالت زعيمة الحزب الوطنى الأسكتلندى: «لن يكون ذلك تكرارا لاستفتاء 2014، فالظروف تغيرت تماما».
تزامن ذلك مع آخر استطلاع للرأى نشرته صحيفة «صنداى تايمز» وأظهر أن 52% من الأسكتلنديين يؤيدون الانفصال عن بريطانيا بعد قرار الخروج من الاتحاد، مقابل 48% منهم يعارضون الاستقلال.