نفيسة (شخصيات تبحث عن مؤلف -9)

مي عزام السبت 25-06-2016 22:04

توفي الأمير مراد بك زوج نفيسة قادن في إبريل 1801، وهو يستعد للعودة للقاهرة قادما من الصعيد لإتمام الاتفاق مع الجنرال جاك مينو قائد جيش الشرق الفرنسى، كانت الصدمة قاسية والموت مفاجئ ينذر بتغيرات كثيرة في حياة الست نفيسة، فبالرغم من استقلالها المادى ورواج أعمالها إلا أن زواجها من مراد بك كان بمثابة حماية لها ولأعمالها. ولم يكن الفرنسيون أقل قلقا من نفيسة، فلقد كانوا يراهنون على دعم الأمير مراد بك لهم داخل مصر ليتمكنوا من مواجهة التحالف العثمانى الإنجليزى الذي تشكل ضدهم. أرسل لها الجنرال مينو برقية عزاء باسم الجمهورية الفرنسية وجيش الشرق، وفى آخر خطاب له إلى الديوان العام قدم فيه العزاء لنفيسة وهذا نصه: «وتأسفنا جدا برحيل المرحوم مراد بك وانتقاله إلى حياة البقاء، ومعلوم فضايلكم، ولقد قررنا معاشا إلى عمدة العفايف حضرة الست نفيسة خاتون باعتبارها من أصدقاء الحكومة الفرنساوية». ولقد أرسل مينو برقيات إلى الأمراء المرادية أوضح فيها بقاء الحال كما كان أيام مراد بك، على أن يتولى الإمارة مكانه، تلميذه عثمان بك الجوخدار المعروف بالطنبرجي. في هذا الوقت بدأ الانشقاق في صفوف الأمراء المرادية، بعضهم تم استمالتهم إلى معسكر التحالف الإنجليزى العثمانى. ولم تقف الست نفيسة كعادتها ساكنة، بل سعت بالاتصال مباشرة بالأمراء المرادية حتى فوجئت بضعف موقف عثمان الطنبرجى وميله هو نفسه لصالح الانجليز بعد تأكده من ضعف موقف الفرنسيين واستعدادهم للرحيل. شعرت السيدة نفيسة بقلق شديد من انتقام الفرنسيين، لكن مينو حاكم القاهرة أرسل لها الجنرال بيليار ليطمأنها على نفسها وعلى جميع نساء الأمراء والجنود الذين تحت حمايتها وأنهم لن يأخذهن بتصرفات أزواجهن. وبدا أن هناك مؤامرة تحاك لإذلال الفرنسيين ولم يكن مينو يفكر حينذاك إلا في خروج كريم لقواته من مصر، ولما جاء إلى القاهرة الكولونيل سباستيانى مندوبا عن قنصل فرنسا الأول نابليون بونابرت طلبت منه الست نفيسة التدخل لدى السلطان العثمانى لإعادة الأمراء المماليك للحكم والتعاون مع الوالى العثمانى، لكن الوساطة فشلت لأن الإنجليز كان يببيتون النية لشىء آخر أكبر وأخطر وهو السيطرة على مصر، فأوعزوا للعثمانيين برفض كل عروض المصالحة واستعادة هيبتهم في مصر. فأرسل الباب العالى طاهر باشا لإدارة الأمور وبدا من اللحظة الأولى أن هناك خطة للإطاحة بالمماليك وكان معظمهم هاربين، وظهر ذلك في المواجهات التي تمت مع الست نفيسة، فلقد كانت تحدث أعمال سلب ونهب لبيوت الأمراء الهاربين والتعرض لنسائهم، ويصف الجبرتي هذه الأحداث قائلا: «وسبوا حريمهم وسراريهم وجواريهم وسحبوهن بينهم من شعورهن، وتسلطوا على بعض بيوت الأعيان من الناس المجاورين لهم، ومن لهم بهم أدنى نسبة أو شبهة بل وبعض الرعية، إلا من تداركه الله برحمته أو التجأ إلى بعض منهم أو صالح على بيته بدراهم، ووقع في تلك الليلة واليومين بعدها ما لا يوصف من تلك الأمور وخرّبوا أكثر البيوت، وأخذوا أخشابها، ونهبوا ما كان بحواصلهم من الغلال والسمن والأدهان». وفي ظل هذه الإضرابات أرسل الباب العالي فرقة من الجند بقيادة محمد على للسيطرة على الأمور، لكن الاضطرابات وأعمال السلب والنهب لم تتوقف، وتبين أنها خطة شاملة لتبرير القضاء على سلطة المماليك في مصر، فقد حدث ذات نهار أن الست نفيسة كانت في بيت الأمير البارودي (الدرفتردار) وكان بمثابة وزير المالية، فإذا بفرقة من العسكر تتجه إلى المنزل بأسلحتهم ويطالبون برواتبهم المتأخرة، واقتحموا البيت، وتسببوا في ضجة كبيرة اجتمع بسببها (حسب تعبير الجبرتي) «الكثير من الأوباش والجعيدية والعسكر خارج الدار يريدون النهب، وأمسك الجنود بالدفتردار ونزعوا عنه ثيابه، واعتدوا عليه بالسيوف وقتلوه شر قتلة، ثم قتلوا رجلا آخر كان معه وهو يوسف كتخدا بك، ونهبوا ما وجدوه من الثياب والأمتعة، واقتحم بعضهم قسم الحرملك ما أثار فزع النساء الموجودات، وأرسلت الست نفيسة أحد مماليكها إلى سليم كاشف المحرمجي فحضر سريعا، فكلمته في أن يتدارك ما يحدث، فخرج لصرف الناس وتهدئة الفوضى، وفي ذلك الوقت حضر محمد على، وقام بإغلاق البيت وتسمير أبوابه، وأمر بدفن القتيلين بعد أن دفع لأحدهم 250 فضة تكاليف الكفن والدفن. وبعد أيام اتسعت حالة القتال، وتدخل فيها الجند المتمردون حتى تحول الأمر إلى ما يشبه الحرب حيث استخدمت المدافع والبنادق وتم الهجوم على القلعة وقتل طاهر باشا، وانتهت الأمور إلى مجلس مصغر يتزعمه عثمان بك البرديسي ومحمد على... وأخذت الأمور منحى آخر.... وللحديث بقية... ektebly@hotmail.com