دائما ما تكون زاخرة مائدة رمضان الدرامية بأشهى الوجبات فنيا وإنسانيا، وبقدر كثرتها ودسامتها، بقدر شغف الإقبال على متابعتها ورغبة المتلقى على قطف من كل بستان زهرة وسط هذا الكم الضخم من الأعمال التي تتنافس بشراسة في ماراثون رمضانى سنوى لا يخمد أبدا ويتنوع نجومه من عام لآخر.. ولكن العين الناقدة الفاحصة القادرة على فرز المنتج الثمين تقف عند محطات بعينها استحقت الإمعان في النظر والتحديق في قيمتها وجوهرها، لتفوز بالثقة والاحترام والثناء.. والوقوف عند هذه المحطات لا يعنى تجاهل نماذج أخرى تتمتع بالجودة الفنية ونضج المحتوى، غير أنها فقط أثارت الانتباه مؤقتا لحين انتهاء الشهر الفريد في وجباته الدرامية، وبعد رحيله توضع الوجبات في ثلاجة البيت المصرى ويتم تسخينها على جهاز «اليوتيوب» لاستدعائها مجددا وإعادة قراءتها..
عبدالرحيم كمال: استوحى من النص العالمى «فاوست» روح الصراع الفلسفى والتاريخى بين الإنسان والشيطان، وصنع من الصفقة الملعونة بينهما في رائعته الجديدة «ونوس» سيناريو شديد الإحكام والحبكة، مطعما بلغة حوارية راقية ودلالات إنسانية على درجة رفيعة من العمق والروعة في معانيها ورسائلها.. ولا ينجح في تجسيدها وإتقان خيوط شخوصها سوى فريق متميز بقيادة عبقرى أداء السهل الممتنع يحيى الفخرانى والمايسترو شادى الفخرانى الذي منح من بساطة ونعومة الكاميرا موقعا خاصا له في صفوف المخرجين الكبار.
هالة صدقى: نعرفها ممثلة قديرة منذ نعومة أظافرها، ولكنها في ثوب «الأم انشراح» تفوقت على تاريخ أدوارها من فرط إحساسها المتدفق بتفاصيل الشخصية ومعاناتها وشفافية الأداء وفقا لكل لحظة درامية.
نبيل الحلفاوى: غول تمثيل يعرف كيف يبرز انفعالاته المختلفة دون تورط في تعبيرات أكليشيهية تقليدية فظهر كالعطر الفواح من الزمن الجميل الذي لا ينضب معينه من المواهب والقدرات الفذة.
هي ودافنشى: خيال خصب من المؤلف محمد الحناوى والمخرج عبدالعزيز حشاد وفر قماشة عريضة من الإبداع والانطلاق لنجمى العمل ليلى علوى وخالد الصاوى، لنعيش جوا نفسيا روحانيا ذا عبق خاص، ويحمل بعدا إنسانيا شديد العذوبة يُشعرنا بقيمة الإنسان عندما يدرك ذاته ويتصالح مع داخله مهما كلفه الأمر من خسائر وتضحيات.
بيومى فؤاد: صنع وجوده وحفر اسمه بحروف من ذهب في تاريخ المسرح المستقل منذ أكثر من 20 عاما.. وهذا الرصيد الضخم من خبرته ونضجه الفنى أفسح له الطريق لعبور خط الشاشة الصغيرة ليقف عملاقا أمام الجميع.. يستطيع أن ينحت شخصية كوميدية كاريكاتيرية تنتزع الضحك بسهولة.. وبإمكانه أن يرسم نموذجا مشوها فاسدا في عمل آخر.. ويبدع في عمل ثالث لنرى عينة من نوع مختلف.. وتعددت مشاركاته ليصبح «الحصان الأسود» في السباق الكبير، ويشهر «إنذارا أصفر» لكل من يفكر في أن يخترق وجدان وعقل المتفرج من خلال وسامته أو علاقاته أو أسلوبه الرخيص.
نيللى وشريهان: ترجمة حقيقية لتوأم «الفنان الشامل» إيمى ودنيا سمير غانم الراضعتين عن جدارة من لبن «كوميديا» الأب و«صدق» الأم.. وفى حلقات العمل الأخير برزت قدراتهما في رسم البسمة على الشفاه واكتشاف ثنائى يمتلك مهارات التأثير في الجمهور وإشباع الرغبة في الاستمتاع.
مجدى يعقوب: تحول ظهوره في إعلان «جمد قلبك» الإنسانى إلى عملية جراحية علنية أعطى بها جرعة منشطة وحيوية لكل عشاق «طبيب القلوب»، وجدد الثقة في رقى مؤسسته باعتبارها عنوان العطاء والعمل الصامت.. صفق لمبدعى الإعلان.. فصفقنا لهم.. وله قبلهم.
الصدمة: ضرب مثلا يحتذى به في البرامج الهادفة إلى إعمال العقل والتصرف بإيجابية في مواقف الحياة دون ضجيج أو نزعة تعليمية مباشرة.. فكان درسا بليغا للكبار قبل الصغار.