افتح التليفزيون يا سيادة الرئيس

مي عزام الأربعاء 22-06-2016 21:32

الفن مرآة المجتمع.. من المؤسف أن نحاول تطبيق هذه المقولة على ما نشاهده من دراما وإعلانات على شاشات التليفزيون فى رمضان هذا العام.. شخصيات مشوهة نفسيا.. مجرمون.. منحرفون من كل الفئات، فى الأوساط الفقيرة والغنية على حد سواء، اهتمامات شخوص الدراما لا تزيد عن الاحتياجات البيولوجية للحيوانات وللكائنات وحيدة الخلية.

لا يسمح وقت أى شخص بالطبع بمتابعة كل ما يعرض على شاشة التليفزيون بمختلف قنواته، فعدد المسلسلات والبرامج يزيد على ساعات العام كله، وتحتاج أن تقترض عمرا إضافيا لمتابعة كل ما يتم بثه.

فى افتتاح مشروع الأسمرات فى المقطم طالب الرئيس بمراعاة الصورة التى يظهر فيها سكان العشوائيات فى الأعمال الفنية (أفلام ومسلسلات وإعلانات أو برامج)، فقد رأى الرئيس أن الصورة المسيئة التى يظهر بها سكان تلك المناطق غير حقيقية، وأن ذلك يؤدى لشقاق فى المجتمع يزيد من تمزق النسيج الاجتماعى، فماذا هو قائل فيما يحدث يوميا فى المسلسلات الرمضانية التى تظهر فى معظمها المرأة المصرية مشوشة وغير سوية، ومعظم أفراد الشعب يخرقون القوانين، ولا يهمهم سوى «القرش».. «ويبيعون أباهم من أجل المال»!.

لقد كتبت العديد من المقالات عن أهمية السينما والمسلسلات فى تكوين الوعى الجمعى، فأمريكا مثلا احتلت عقل العالم عن طريق أفلام والت ديزنى، وهناك مقولة أمريكية مفادها أن هوليوود لا تقل تسليحا عن البنتاجون.

أى دولة تعرف طريقها يجب أن تهتم بصورة وشخصية المواطن لديها.. كيف تراه؟، وكيف يرى هو نفسه، وأظن أن الشخصية القومية جزء مما يسمى أمنيا وإعلاميا «سمعة الوطن»، والحفاظ على هذه الصورة لا يتعارض مع حرية التعبير والإبداع، لكنها طريقة لصون القيم الأساسية والأصيلة للمجتمع.

كل رؤساء فرنسا حين يتحدثون عن محاربة بلدهم للإرهاب يقرنون ذلك بهدفهم الأهم وهو الحفاظ على قيم فرنسا الأصيلة التى يريد الإرهاب أن يطمسها.

فما هى القيم التى تحرص عليها الدولة المصرية بعد ثورتين؟

وكيف ترى صورة المواطن الذى تريد أن تعيد تأهيله سلوكيا ليكون قادرا على تطوير بلده وتحديثه؟

وهل لدينا قيم أصيلة باقية.. أم أنها تحطمت تحت مطرقة الاستبداد والفساد التى لم تبق شيئا أصيلا إلا اقتلعت جذوره؟

الموضوع أكبر من تسالٍ رمضانية، أنا لم أجد نفسى فى أى شخصية من الشخصيات المعروضة علينا ومثلى ملايين، على سبيل المثال شخصية الصحفية فى مسلسل «الخروج» شخصية سيكوباتية تحتاج لعلاج طويل الأجل، وكذلك رجال الشرطة فى المسلسل ذاته، الذين يتصفون بالرعونة وضعف الإمكانيات، سواء على المستوى الإنسانى أو مهنيا فى تمكنهم من أسلوب العمل الشرطى الذى نطمح إليه.

لو كنت مكان رئيس الدولة لشغلنى كثيرا ما يعرض على الشاشات، ولطلبت على الفور تشكيل لجنة من علماء الاجتماع وعلم النفس وخبراء الإعلام لتحليل مضمون المسلسلات والبرامح وأيضا الإعلانات التى تتسم بالتضاد بشكل صادم، فإعلانات الجمعيات التى تناشدك بالتبرع لأهل الصعيد والمرضى والجوعى والذن ينتظرون ملابسك القديمة على العيد، تشعرك بأن المصريين فى حالة يرثى لها وأن من «يعايرنا بفقرنا» عنده حق، ومن جهة أخرى تصاحبها إعلانات عن حياة الرفاهية وفردوس حمامات السباحة، برغم أزمة المياه التى سنعانى منها فى القريب، فمنتجعات المليونيرات تداعب حلم فينيسيا والماء الذى يحيط بك من كل الجهات، ومساحات الخضرة مترامية الأطراف، وإغراءات التسوق من أشهر بيوت الأزياء العالمية فى مولات فاخرة عند أطراف أصابعك، ومعها جيش يخدمك فى الكافيهات والمطاعم داخل «الكومباوند» البعيد عن ضوضاء الناس الوحشين.

من نحن؟

هل نحن الفقراء المرضى الجوعى المحرومون من الخدمات الإنسانية الأولية، أم نحن الأثرياء التى لديهم فوائض تجعلهم يحلمون بالتنقل من شققهم الفاخرة التى ضاقت عليهم لفيلا بثلاث حدائق حتى لايتعارك الأشقاء.

بعد متابعة اضطرارية للمحتوى الذى تقدمه الشاشة الصغيرة فى رمضان تأكدت من شىء محزن، وهو تآكل الطبقة الوسطى حارسة القيم والمبادئ ورمانة الميزان، فهل يمكن أن يستمر مجتمع بين شقى الرحى.. أغنياء جدا وفقراء جدا.. بلا طبقة وسطى؟

رأيى أن هذا أمر خطير، ويحتاج إلى علاج سريع.

اللهم بلغت.. اللهم فاشهد.

ektebly@hotmail.com