حكم للدولة

كريمة كمال الأربعاء 22-06-2016 21:36

قضت محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية التى نقلت بموجبها تبعية جزيرتى تيران وصنافير من مصر للمملكة واستمرار الجزيرتين تحت السيادة المصرية.

من المؤكد أن الحكم قد جاء بفرحة غامرة لكل من دافع عن تبعية الجزيرتين لمصر، لكن أعتقد أن الأهم ليس فرحة الإحساس بامتلاك الحق وليس معنى تأكيد الموقف بقدر ما يصب فى عملية إدارة الدولة وضرورة أن يعاد النظر فيها بعد هذا الحكم، لذا فالأهم فى نظرى من الحكم ذاته هو حيثيات هذا الحكم والتى تضمنت توضيح الفرق بين المعاهدات والقرار الإدارى، حيث وضحت المحكمة أن القرار الإدارى يصدر بإرادة منفردة من جهة الإدارة، أما الاتفاقية الدولية أو المعاهدة فهى عمل قانونى لا يتم بالإرادة المنفردة للسلطة التنفيذية ولذا حكمت المحكمة ببطلان توقيع ممثل حكومة مصر العربية على الاتفاقية الخاصة بترسيم الحدود بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية والمتضمنة التنازل عن جزيرتى تيران وصنافير إلى المملكة العربية السعودية.. فى حيثيات الحكم إدانة لانفراد السلطة بالقرار.. كما تضمنت الحيثيات رفض الدفع بأن إبرام الاتفاقية يعد عملا من أعمال السيادة، والأهم أن الدفع بأن مجلس النواب يختص بالموافقة على المعاهدات مردود عليه فى أساسه المستند إلى نظرية أعمال السيادة، يضاف إلى ذلك أن الدستور الحالى حظر فى المادة 97 منه تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء والتأكيد على أن الأصل هو اختصاص القضاء بنظر جميع الطعون التى توجه ضد أى عمل أو قرار يصدر عن جهة الإدارة ولا يخرج عن رقابته إلا ما يصدق عليه من هذه الأعمال أو القرارات أنه من أعمال السيادة.. أيضا لفتت المحكمة النظر إلى أن جهة الإدارة قد قعدت عن تقديم الاتفاقية التى وقعتها إلى المحكمة طوال مراحل نظر الدعوى ووصفت هذا الموقف بأنه موقف غير مبرر ولا سند له.. وأخيرا وليس آخرا تتطرق الحيثيات إلى المستندات المقدمة والتى تتضمن أطلس مصر والعالم الصادر من إدارة المساحة العسكرية بوزارة الدفاع والذى تضمن أن الجزيرتين ضمن حدود الدولة المصرية وأنه «نزولا على كل ما تقدم يتضح أن كلا من جزيرتى تيران وصنافير أرض مصرية من ضمن الإقليم البرى لمصر وتقعان ضمن حدود الدولة المصرية لذا يحظر طبقا للدستور الحالى التنازل عنهما».

كل ما جاء فى الحيثيات من توصيف توقيع ممثل الحكومة على الاتفاقية بوصفه «مخالفة جسيمة للدستور» وكل ما جاء فى الحيثيات حول عدم أحقية الإدارة فى الانفراد بقرار كهذا الذى تم يأتى ببساطة ليعيد التأكيد على أننا لم نكن على الطريق الصحيح كدولة تؤسس لكونها دولة ديمقراطية ودولة مؤسسات تحكم بحكم الأدوار المنصوص عليها لهذه المؤسسات وطبقا للدستور الذى أجازته هذه الأمة.

هذا الحكم ببساطة ليس انتصارا فقط لمصرية تيران وصنافير وليس تأكيدا لموقف كل من عارض هذه الاتفاقية وأصر على الدفاع عن الأرض ولم يخضع لكل ما تم من استهداف لكل من رفع شعار تيران وصنافير مصرية والذى وصل إلى حد الحكم بأحكام حبس تطول لسنوات.. ولا استهداف نقابة الصحفيين.. هذا الحكم ببساطة هو خطوة نحو أن نكون دولة ولا نظل «شبه دولة».. هذا الحكم جاء ليؤكد فساد الطريقة التى تصرفت بها السلطة فى هذا الملف، بداية من عدم الشفافية فى الإعلان عن الاتفاقية وطريقة الإعلان عنها وانتهاء بالطريقة التى تم التعامل بها مع المعارضين ومواجهة المظاهرات السلمية الرافضة للاتفاقية بالقوة والقمع والقبض على المعارضين وتجييش التهم.. هذا الحكم يجب أن يكون جرس إنذار للنظام الحاكم أن الدول لا تدار بطريقة الحاكم الفرد وأن الشعوب لا تحكم بطريقة القطيع الذى يرضخ لإرادة الحاكم وأن محاولات ضرب المؤسسات من أحزاب إلى مجتمع مدنى إلى نقابات مستقلة لن تقضى على حق الشعب فى المشاركة عبر مؤسساته الطبيعية والشرعية.. هذا حكم يؤكد أن الشعب ليس غائبا وأنه متواجد عبر مؤسساته.

زغاريد ودموع الفرحة التى انطلقت لحظة سماع الحكم يجب أن تفسح مكانها لقواعد ترسيخ الدولة التى يجب الإصرار عليها، فهى المكسب الحقيقى من وراء هذا الحكم بجانب الأرض.