تحية لذكرى شهدى عطية الشافعى

محمد أبو الغار الإثنين 20-06-2016 22:16

فى الأسبوع الماضى كتبت عن اغتيال فرج فودة الشهيد الليبرالى، الذى قتلته الجماعات الإسلامية منذ 24 عاماً. واليوم أكتب عن شهيد للوطن تم اغتياله فى مثل هذا التاريخ منذ 66 عاماً. قتل شهدى عطية الشافعى الماركسى فى السجن «أوردى ليمان أبوزعبل» فى 15 يونيو 1960 بواسطة تعذيب وحشى رهيب طاله هو وزملاءه، ولأنه كان القائد فكان نصيبه من التعذيب مضاعفا. كان الضباط على ظهور الخيل يركضون وراءهم ويضربونهم بالجريد والجنود يضربونهم بالشوم والشلاليت ويضعون رؤوسهم فى حفرة مملوءة بالماء.

ليس مهماً أن تكون ليبرالياً يمينياً أو يسارياً اشتراكياً وإنما المهم أن تكون مصرياً وطنياً تعيش وتموت من أجل مصر.

شهدى الشافعى كان خريج كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية وذهب إلى إنجلترا، حيث حصل على ماجستير فى تعليم اللغة الإنجليزية وأصبح أول مصرى قيادى لتعليم اللغة الإنجليزية فى وزارة المعارف. آمن شهدى بالفكر الماركسى والتحق بمنظمة حدتو وهى التنظيم الماركسى الأكبر فى مصر، وتولى رئاسة تحرير صحيفته. وقد قبض عليه فى المرة الأولى فى عام 1948 أثناء حكم فاروق، ثم تم اعتقاله فى عهد عبدالناصر، حيث استشهد عام 1960.

وتاريخياً كان معروفاً أن اللواء إسماعيل همت كان قائد السجن وقائد عملية التعذيب، التى طالت عشرات من المسجونين السياسيين، وكان هناك ضابطان شهيران فى الوحشية وهما الصاغ حسن منير والنقيب يونس مرعى، والذى كان لاعب كرة فى نادى الزمالك، وهناك حادثة تاريخية هامة لجمال عبدالناصر وهو فى عز عنفوانه وأثناء رحلة لزيارة تيتو، رئيس يوغوسلافيا، وهو صديقه وأثناء احتفال كبير فوجئ عبدالناصر بأن الجميع يقفون دقيقة حداداً، فسأل عن الشخصية التى نقف حداداً عليها، وكانت الإجابة أنه المناضل المصرى شهدى عطية الشافعى، الذى مات اليوم من التعذيب فى سجون مصر. وكانت صدمة كبيرة وإهانة لعبدالناصر لأنه حتى لم يعلم بالخبر فاتصل فوراً بالقاهرة، وأمر بوقف التعذيب نهائياً وهو ما حدث فعلاً وسمح للمسجونين بالزيارات والصحف وتم نشر نعى شهدى عطية فى الأهرام والأخبار بقصائد شعرية من زملائه. وهكذا افتدى شهدى عطية بروحه زملاءه من العذاب والقتل.

ماذا كان شهدى يريد؟ كانت أهدافه الخارجية واضحة ومكتوبة فى كتابه أهدافنا الوطنية ومشروحة للشباب الذى شارك فى أعمال دار الأبحاث العلمية التى كان يشرف عليها. هى ببساطة الاستقلال التام اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، وهى نفس أهداف عبدالناصر وكل رئيس وطنى مصرى. وداخلياً كان يريد رفع مستوى المعيشة للجماهير وعلى زيادة اشتراكها الفعلى فى الحكم وكذلك النمو للحريات الاجتماعية والسياسية الفردية.

بعيداً عن الذين يومنون بالخلافة الإسلامية كان نضال المصريين الوطنيين موجوداً فى تيارين كبيرين أحدهما حزب الوفد الليبرالى، وكان هو التيار الأكبر والأوسع والأقوى وتيار الماركسيين وكان فاعلاً وهاماً، ولكنه لم يكن بنفس انتشار الوفد أو قوته، وكانت هناك تيارات أخرى صغيرة.

وعلى عكس ما يتصور الكثيرون أن اليسار كان ضد الوفد فكتب شهدى يقول إن الاستعمار يحارب حزب الوفد وإن هذا الحزب هو أقل الأحزاب تهادناً مع الاستعمار، وكان الاستعمار ضيق الصدر بالوفد، وكان يرى أن محاربة الوفد هى محاربة للحركة الوطنية.

وهو لم يفكر بأن تكون الحكومة شيوعية بأى حال من الأحوال بل كان يرى أن الدولة يجب أن تسيطر على بعض المشروعات الكبرى كالسكة الحديد والتليفونات والتركيز على التعليم والصحة.

وكان شهدى واضحاً فى مساندة حرية المرأة ومساواتها مع الرجل، وقال إن المرأة المستعبدة لا توجد إلا فى مجتمع مستعبد. وكان ضد التعصب الدينى ومؤيداً بالكامل لحقوق الأقليات، وأكد على ضرورة محو كل آثار التعصب الدينى أو الطائفى والسماح التام بحرية العقيدة والعبادة والثقافة وجميع الحقوق العامة الأخرى.

كانت كل أفكار شهدى عطية هو ما يحاول أن يطبقه عبدالناصر فيما عدا بند الديمقراطية، وبدلاً من أن يأخذ شهدى فى حضنه وفى نظامه ويستفيد من طاقاته وأفكاره، وضعه فى السجن حتى مات شهيداً. أنا واثق أن لحظة الوقوف حداداً على شخصية مصرية هامة فى وجود رئيس جمهورية بحجم عبدالناصر كانت صدمة كبيرة له.

مشكلة العالم الثالث هى أن الأغلبية العظمة من حكامه عبر عقود طويلة يعتقدون أنهم يستمعون إلى صوت الشعب بينما هم يستمعون إلى أصوات قليلة منافقة وغير موهوبة وتستمد نفوذها ووضعها بالقرب من الملك أو الرئيس. كلهم يظنون أنهم يعلمون حقيقة ما يجرى فى الشارع ومدى معاناة الناس ويفعلون ما هو حق، معظمهم يعتقدون أن سجن الآلاف من مواطنيهم هو مصلحة كبرى لحماية الوطن وأن بعض التعذيب وربما القتل أمر لا بد منه فى العالم الثالث.

نعم هناك فارق بين دولة وأخرى وزعيم وطنى وآخر عميل فى العالم الثالث، ولكن يبدو أنهم جميعاً يؤمنون بأن الديمقراطية خطر على الوطن.

أهدى تحية لروح شهدى عطية اليسارى الوطنى المصرى، كما أهديت تحية لروح فرج فودة الليبرالى المدنى الوطنى المصرى. وتحية لكل المصريين الوطنيين الذين دافعوا ومازالوا يدافعون عن الوطن.

قوم يا مصرى.. مصر دايماً بتناديك.