أى اعتداء على الآثار يمثل جريمة كبرى ضد الإنسانية كلها؛ جريمة تحرم أجيالا من البشر الحق فى معرفة تاريخهم وحضارتهم. وللأسف الشديد نحن الذين نهين تراثنا وليس أحد غيرنا؛ فإذا كنا نعتبر قيام أى دولة بعمل مستنسخات مشوهة لآثارنا جريمة وإهانة! فهذا أهون من جريمتنا الأخيرة فى أهرامات الجيزة. هل يصدق أحد أننا أصبحنا نستخدم منطقة أهرامات الجيزة وعلى بعد بضعة كيلومترات من هرم الملك خوفو- أعظم بناء إنسانى فى تاريخ البشرية- كمقلب زباله؟! من المسؤول عن هذه الجريمة؟ هل هى محافظة الجيزة؟ أم الشرطة؟ أم الآثار؟ أعتقد أننا جميعاً مسؤولون عن الجرم الشنيع فى حق تراثنا الأثرى.
بدأت القصة بعدد من الشكاوى من أصدقاء أعرفهم بوجود تلال من القمامة ومخلفات البناء تلقى على مقربة من أهرامات الجيزة؛ وطلبت من أحد أصدقائى ممن يملكون سيارة دفع رباعى أن نذهب لنتحقق من الأمر. وبالفعل ذهبنا إلى المكان المحدد إلى الجنوب من الأهرامات فى المنطقة التى أوقفنا استكمال وصلة الطريق الدائرى بها وتقطع هضبة الجيزة من الشرق إلى الغرب وصولاً إلى طريق الفيوم. وهناك لم أصدق عينى وأنا أشاهد جبال الرديم ومخلفات الهدم والبناء ترتفع لتناطح أهرامات الفراعنة فى مشهد مأساوى ترى فيه الفراعنة يبنون أهراماتهم فى مكان نظيف أجلوه واحترموه؛ ونحن فى القرن الواحد والعشرين ماذا نفعل؟ نبنى أهراماتنا من الزبالة على هضبة الجيزة؟! والسؤال هل نستحق نحن المصريين أن تكون هذه الأهرامات ملكنا؟ أعتقد أن هذه الجريمة تستوجب فتح ملف الأهرامات ومناطق الآثار وسبل تأمينها.
إذا كنا قد فشلنا فى تغيير نظرة الناس لتاريخهم وحضارتهم بالتعليم والتثقيف فلا مانع من الردع والعقاب الحازم الحاسم للحفاظ على ما بقى من آثار. ألم يشاهد محافظ الجيزة تلال الزبالة والرديم تنتهك حرمة أهرامات الجيزة؟! أم أنه لا يعلم أساساً بوجودها؟ هل شاهد الطرق المحيطة بالهضبة ومنها الطريق المؤدى إلى مقابر العمال بناة الأهرامات ويسلكه السائحون لزيارة الجبانة وكيف تحول إلى حظيرة للدواب؟ هل هناك أصلاً رئيس لحى الهرم؟ من المسؤول عن تراكم الزبالة خلف السور الأمنى للهرم؟ وهل أنفقنا ملايين الجنيهات لعمل سور يحمى الهرم وعجزنا عن جمع القمامة من نزلة السمان؟ ألا يوجد قانون ينص على مصادرة السيارات التى تلقى مخلفاتها بالطرق والمناطق غير المسموح فيها بإلقاء المخلفات؟!
كيف لا يعلم من هم فى موقع المسؤولية أن المنطقة من أبو رواش شمالاً وحتى دهشور جنوباً مروراً بأهرامات الجيزة وابو صير وسقارة هى على قائمة مواقع التراث العالمى؟ فكيف نحولها إلى مقلب للزبالة أو نسمح بوجود محجر للطفلة يزحف على أهرامات أبو صير؟ نعانى أشد المعاناة لا من نقص الموارد بل من شح الضمائر واللامبالاة وعجز الهمم. أشفق على الرئيس عبد الفتاح السيسى المحمل بهموم نعلم جميعاً حجمها ونثق فى أنه سيعبر بالبلاد من هذه الحالة.. ولذلك فأنا أناشد الفريق صبحى صدقى وزير الدفاع أن يأمر فوراً بوقف هذه المأساة وأن تقوم القوات المسلحة وجهاز المشروعات بها برفع تلال الرديم تحت إشراف الأثريين من منطقة الهرم؛ ووضع حل يحول دون وصول سيارات النقل وغيرها إلى هضبة الجيزة.
الأهرامات وأبو الهول جزء لا يتجزأ من أمن مصر القومى؛ ولا بد من حساب كل مقصر ساهم فى هذه الجريمة.