نحن والانتخابات الأمريكية

محمد كمال الأحد 19-06-2016 21:31

بدأ الجدل الإعلامى والأكاديمى حول الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة، ومواقف مرشحيها هيلارى كلينتون ودونالد ترامب، وتأثير فوز أحدهما على سياسة الولايات المتحدة تجاه منطقة الشرق الأوسط وعلاقتها الثنائية مع مصر. وأطرح فى السطور التالية عددا من الملاحظات المنهجية التى أتمنى أن تساهم فى ترشيد تحليلنا للمشهد الانتخابى الأمريكى وتأثيره علينا:

1- مواقف المرشحين من قضايا السياسة الخارجية سوف تشهد بعض التعديل فى المرحلة القادمة، حيث سيسعى المرشح الديمقراطى (كلينتون) والجمهورى (ترامب) للانتقال من منطقة اليسار أو اليمين إلى منطقة الوسط لضمان تأييد عموم الناخبين خارج حزبه، وبالتالى سوف يضفى ذلك قدرا أكبر من الاعتدال والوسطية على الأفكار التى يتبناها.

2- خبرة هيلارى كلينتون الكبيرة فى السياسة الخارجية ستساعدها على طرح رؤية تفصيلية فى هذا المجال، وهذا الرؤية لن تتأثر كثيرا مع اختيارها لفريق معاون فى السياسة الخارجية، فى حين أن رؤية ترامب ما زال ينقصها الكثير من التفاصيل لانعدام خبرته فى السياسة الخارجية، وبالتالى فإن اختياره لفريق معاون وخلفيات هذا الفريق سوف تؤثر على توجهات السياسة الخارجية لإدارته.

3- هناك العديد من القيود والكوابح على السياسة الخارجية لأى رئيس أمريكى بغض النظر عن رؤيته فى هذا المجال والتى قد تؤدى لتخليه عن جانب من رؤيته. ومن هذه القيود واقع العلاقات الدولية، وتشابك وتعقد مصالح الولايات المتحدة فى الخارج، وكذلك الدور الذى يلعبه الكونجرس فى مجال السياسة الخارجية (الانتخابات القادمة ستشهد أيضا انتخاب كل أعضاء مجلس النواب وثلث أعضاء مجلس الشيوخ) وهناك أيضا القيود التى تضعها بيروقراطية مؤسسات الأمن القومى الأمريكى (الخارجية، الدفاع، المخابرات... إلخ) والتى تحد من مغامرات الرئيس فى الخارج.

4- الحالة المزاجية للناخب الأمريكى فى المرحلة الحالية سوف تؤثر على بعض توجهات السياسية الخارجية الأمريكية فى المستقبل. وتتسم الحالة المزاجية لقطاع كبير من الناخبين بعدم الرضا والشعور بالغضب والخوف من الإرهاب والمهاجرين. وسوف تساهم هذا الحالة المزاجية فى التركيز على القضايا الداخلية على حساب الخارج.

5- يمكن القول إن السياسية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط تمر بمرحلة انتقالية ترتبط بالمرحلة الانتقالية الكبرى التى تشهدها المنطقة، وبالتالى لن نشهد استقرارا فى توجهات السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط فى المستقبل القريب.

6- هناك بعض الأصوات الأمريكية التى بدأت تطالب بمراجعة الأسس التى تقوم عليها العلاقات الثنائية بين مصر والولايات المتحدة، وترى أن هذه الاسس قد تجاوزها الزمن، وتزعم أن اهمية مصر فى المنطقة وفى الاستراتيجية الأمريكية قد تقلصت، ومن ثم ضرورة إعادة هيكلة العلاقات الثنائية بين البلدين، وخاصة المعونات الأمريكية استنادا للمتغيرات الجديدة.

ويتطلب الأمر قيام مصر هى الأخرى بمراجعة لعلاقتها مع الولايات المتحدة فى ضوء متغيرات الداخل الأمريكى والداخل المصرى والأوضاع الأقليمية. ويمكن أن يساهم فى هذه المراجعة فريق يضم الأجهزة المعنية بالدولة والخبراء المتخصصون. وتطرح هذه المراجعه أولويات مصر فى العلاقة مع الولايات المتحدة (ماذا نريد من الولايات المتحدة؟)، وتضع رؤية لمستقبل العلاقات، وتصور للتعامل مع القضايا الثنائية والإقليمية فى العلاقة، والأدوات الرسمية وغير الرسمية لتفعيل هذه التصور، وتجيب عن التساؤل: هل نحتاج إعادة هيكلة لهذه العلاقة Overhaul أم مجرد تنقيتها من الشوائب وإعادة تفعيلها Reset.

وأخيرا، علينا إدراك أن مستقبل العلاقات المصرية- الأمريكية سوف يتحدد بشكل أساس فى القاهرة، وليس فى واشنطن، وسيرتبط بقدرتنا على تطوير رؤية لهذه العلاقات، واستعادتنا للحيوية الاقتصادية والسياسية، وتنشيط المبادرات المصرية فى المنطقة وإحياء دورنا الإقليمى.

makamal@feps.edu.eg