شاشة وريموت ومشاهد

إبراهيم الجارحي الأحد 19-06-2016 21:19

نعيش في رمضان بين فاصلين إعلانيين في انتظار عودة المسلسل الذي تدور فيه الأحداث التي ننتظر أن تتحرك خطوة إلى الأمام.. في انتظار أن يحدث أي تطور في الدراما التي نشاهدها، على أمل- أو على وهم- أن يحدث أى تطور في الدراما التي نعيشها.

ننتظر اللحظة التي تنطق فيها نيللي كريم في مسلسل «سقوط حر» كلمة واضحة بدلا من الصراخ والتشنجات، أو أن ينطق يوسف الشريف في مسلسل «القيصر» أي عبارة مكتملة تتكون من فعل وفاعل ومفعول، أو من مبتدأ وخبر.

ننتظر أن تنبت أي بادرة ضميرية أو أخلاقية وسط قذارة عائلة «بدرية» في «أفراح القبة»، أو أن نفهم مبررا لتعاطفنا مع «الأسطورة» الذي يتطور من مجرم صغير إلى مجرم كبير بصلعة ولحية ندعو الله ألا تتفشى بين الناس.

أما الفاصل الإعلاني فهو الأرجوحة التي تتعلق فيها مصر بين إعلانين، بين إعلان الفيلا البائسة ذات الحديقة الواحدة، وإعلان التبرع بمليوني قطعة ملابس للمحتاجين الذين ينتظرون ملابس العيد المستعملة.

بين إعلان المنتجع السياحي الذي نقل لك البحر حتى شاليهك حتى لا تتألم مؤخرتك من سخونة مقاعد سيارتك ذات الدفع الرباعي، وإعلان إطعام ثلاثة ملايين جائع في رمضان بتبرعات أهل الخير المنتظرة.

بين إعلان الكومباوند الذي يصور فقراء القرى الأكثر احتياجاً في بيوت مبنية من الطوب اللبن تحت شعار «إعادة الروح المصرية»، وإعلانات عشرات المستشفيات التي تنتظر التبرعات لإنقاذ أرواح تنتظر الموت.

رشدوا الكهرباء فأنتم مصدر الطاقة الأهم، واشتروا الجبنة التي يتصارع عليها أحمد فتحي وحسن الرداد، وتخلصوا من عقدة الخواجة واشتروا المنتج المصري الأكثر سعرا والأقل كفاءة، وكفاكم أنكم تفخرون بصناعة مصر، وشاهدوا الفنان بيومي فؤاد في كل المسلسلات وكل الفواصل الإعلانية.

لا أتوقع أن أعيش لليوم الذي يقتنع فيه رامز جلال بأن الله رزقه موهبة حقيقية تستهلكها برامج المقالب السخيفة ولا تضيف إليها، وبأنه سحب من رصيده ورصيد ضيوفه بما يكفي كي يتمنى الجمهور أن ينتهي البرنامج باحتراق الجميع بمن فيهم البرنامج نفسه.

ولا أتوقع أن أعيش لليوم الذي سيقتنع فيه مصطفى شعبان بأنه ليس مركز العالم الذي تدور من حوله النساء، أو لليوم الذي سيقتنع فيه مخرج مسلسل «نيللي وشيريهان» أنه أهدر الكثير من المواهب الاستعراضية لدنيا سمير غانم وشقيقتها.

ولا أظن أنني سأعيش إلى اليوم الذي ستنضب فيه البئر التي تغرف منها سوسن بدر موهبتها، فالظاهر أنها في أوج عصرها الذهبي الذي بدأ مع أول ظهور لها على الشاشة، والظاهر أنه سيستمر إلى نهاية خط الإبداع الاستثنائي.

وإذا كان ظافر العابدين وباسل خياط وجمال سليمان قد قرروا استيطان الدراما المصرية، فعليهم أن يلجأوا إلى الأردني إياد نصار الذي أصبح متخصصا في اللهجة المصرية التي مازال الثلاثة على مسافة شاسعة منها.

يمكنني أن أعيش دون مشاهدة «ونوس»، فعقدة الشيطان الذي يعظ الإنسان قد أغلقت بالضبة والمفتاح منذ كتب جوتة رائعته «فاوست»، وحتى كتب أندرو نيدرمان رائعته «محامي الشيطان» التي حولها آل باتشينو وكيانو ريفز إلى كلاسيكية خالدة لا يجوز الاقتراب منها.

وهل عرفت مصر في تاريخها محامية تصول وتجول في المحاكم، وتجابه وكلاء النيابة كلمة بكلمة، وتنكل بالمجرمين غير الأستاذة بشرى عصفور والأستاذة فاتن حمامة في فيلم «الأستاذة فاطمة»، كي يأتي رمضان هذا بليلى علوي وغادة عادل معا في دور المحامية في مسلسلين معا.

هل هناك موهبة أضخم من موهبة محمد ممدوح تايسون؟ هل هناك دور يسع موهبة محمد فراج؟ هل يمكن أن يلتفت الناس لعبقرية طارق لطفي أو لمسلسله الذي يعرض في الظل؟ وهل سيدرك محمود البزاوي مكانته الحقيقية كممثل فذ؟ وعلى ذكر الممثل الفذ، ما الحدود التي يمكن أن تصل إليها عبقرية التلون في تمثيل سيد رجب؟

ملحوظة أخيرة: باروكة صابرين.