وفى سنة 910 هـجرية نُودى فى القاهرة من قبل السلطان بألا يعمل عزاء بطارات، ولا نائحة تنوح على ميت ثم غمز على نائحة عملت عزاء بطارات، فجرَّسها بركات بن موسى على حمارٍ، والطارات مُعلَّقة فى عُنقها، ووجهها ملطَّخ بالسواد.
أما على بن المعز أيبك فقبض على شجر الدر (تولت عرش مصر لمدة ثمانين يومًا بمبايعة من المماليك وأعيان الدولة بعد وفاة السلطان الصالح أيوب، ثم تنازلت عن العرش لزوجها بعد ذلك عز الدين أيبك التركمانى سنة 648 هـجرية (1250 ميلادية)، ويروى ابن تغرى بردى: «أنها كانت مُستولية على أيبك فى جميع أحواله، ليس له معها كلام»، وقد قتلته سنة 654 هـجرية، وسلَّمها ابنه على إلى أمه، فأمرت جواريها أن يقتلنها بالقباقيب والنعال، فضربنها حتى ماتت، ثم سُحبت من رجلها، ورُميت من فوق السور إلى خندقٍ، وهى عريانة، فأقامت وهى مرمية فى الخندق ثلاثة أيام».
ويُحكى عن السلطان الناصر محمد قايتباى (المقتول سنة 904 هجرية) أمورٌ قبيحة منها أنه كان إذا سمع بامرأة حسناء هجم عليها وقطع دائر فرجها (وفى رواية أخرى قطع رأس فرجها)، ونظمه فى خيطٍ، أعده لنظم فروج النساء، ومنها أن والدته - وكانت من أعقل النساء وأجملهن هيئةً - هيأت له جارية جميلة جدًّا وجمعتها به فى بيتٍ مُزيَّن أعدته لهما، فدخل بها، وقفل الباب على نفسه وعليها، وربطها، وشرع يسلخ جلدها عنها كالجلادين وهى حيَّة، فلمَّا سمعوا صوت بكائها أرادوا الهجوم عليه فما أمكنهم؛ لأنه قفل الباب من داخلٍ، فاستمر كذلك إلى أن سلخها وحشا جلدها بالثياب (وفى رواية أخرى بالتبن) وخرج يظهر لهم أستاذيته فى السلخ، وأن الجلادين يعجزون عن كماله فى صنعه، كما يذكر ابن العماد فى كتابه «شذرات الذهب فى أخبار من ذهب».
نعم أنا مشغول بتاريخنا «الإسلامى»، ولن أخجل من ذكر معايبه ومخازيه وكوارثه وفضائحه، وليس من العيب العلمى أن نستذكر ما فعل السفهاء منا سواء أكانوا أمراء أم سلاطين، ولاة أم خلفاء أم حكاما، وأغلبهم قُتل أو خُلع، فما نراه بأعيننا الآن ما هو إلا صور تكرارية مقيتة لما فعله القتلة من الأسلاف، كما أن الأفكار والآراء والفتاوى والأحكام الشاذة التى تنال من المرأة هى أيضًا مكرُورة ومُعادة، وما أكثر المرجعيات الضالة والمُضلِّلة التى يعود إليها المُتشدِّدون، والتى ليست من الدين فى شىء.
كم يمكن أن تبلغ عمولة رئيس لدولة ما من دول الشرق الأوسط، وكم ستبلغ عمولة السيد نائب الرئيس فى صفقة أسلحة تقدر قيمتها بعشرة مليارات دولار؟؟، وكم ستبلغ فى نفس الصفقة عمولة وزير الدفاع ورئيس المخابرات العامة، والفريق المعاون لهما فى إتمام الصفقة؟؟ وكم ستبلغ أرباح الشركة التى سوف تقوم بنقل الأسلحة؟ وهل تلك الأرباح من الضخامة بحيث تبرر إنشاء شركة ملاحية لكى تقوم خصيصا بهذه المهمة مع تحمل كافة نفقات الإنشاء والتسجيل حتى لو لم تقم الشركة بعد تسجيلها بمهمة أخرى سواها؟ لا أتكلم هنا بالطبع عن رئيس معين ولا عن نائب بذاته للرئيس ولا وزير للدفاع فى دولة معينة، ولكن مثل هذه الأسئلة وغيرها تطرحها (وربما تجيب عليها أيضا إجابة تبدو لنا بالغة الدقة والإقناع) رواية: « السمسار» للروائى الموهوب: «عمرو كمال حمودة»..التى تكشف لنا الكثير مما يدور فى كواليس صنع القرار فى الكثير من دول الشرق الأوسط التى ما زالت تقبض على زمام الأمور فيها سلطة مدنية تنتمى إلى جذورعسكرية، تظل طيلة الوقت ملتحمة بتلك الجذور ومتشابكة معها، وتظل هى وحدها المهيمنة على صنع القرار فى نهاية المطاف، رغم اعتمادها فى كثير من الأحيان على عناصر مدنية خالصة شديدة الكفاءة وشديدة الانتهازية أيضا!!، ورغم وجود برلمانات كثيرا ما تنطوى على أصوات معارضة مدوية، لكننا سرعان ما نكتشف أن الكثيرين من أصحابها ماهم بدورهم فى حقيقة الأمر إلا سماسرة أو تجار تظل أصواتهم فى المجلس ترتفع إلى أن يتم ترضيتهم فى الخفاء، فيحصلون أو يوعدون بما يطلبون!!، ورغم وجود صحافة (معارضة) وأخرى (مستقلة)، لا تتوقف بين الحين والآخر عن تفجير قضايا للانحراف والفساد تطال شخصيات نافذة، لكننا كثيرا ما يتبين لنا أن تفجير تلك القضية بالذات وفى هذا التوقيت بالذات، يكمن وراءه حوت من حيتان السلطة وقد أوجعه أن يحصل حوت آخر على ما كان يمنى نفسه هو بأن يحصل عليه من الكعكة!!.. ميزة العمل الروائى الجيد أنه روائى.. يكشف الخبايا ويقدم الحقائق ويحل الألغاز التى كثيرا ما تثير حيرتنا ودهشتنا دون أن يعرض مؤلفه للمساءلة القانونية لأنه فى النهاية يقدم عملا من نسج خياله، ولأنه يحرص على التنويه قبل أن تبدأ الصفحة الأولى بأنه كذلك، ولأنه يحرص على أن ينبهنا قبل أن يبدأ فى تقديم شخصياته وأحداثه إلى أن أى تشابه بينها وبين ما قد يكون موجودا فى الواقع راجع إلى المصادفة!، والحقيقة أن هذه الرواية هى أول ما قرأته للمؤلف الأستاذ عمرو كمال حمودة، وإن كان الناقد المعروف الأستاذ شعبان يوسف قد أشار فى تذييله لها إلى أنها روايته الثانية، وأنه قد سبق له نشر رواية أخرى مثيرة هى: «فيوليت والبكباشى»، والتى يبدو من عنوانها أنها غالبا تدور فى نفس الإطار الذى يقدم لنا عملا روائيا خالصا، لكنه فى الحقيقة يقدم لنا عملا يقع على الحدود المشتركة بين ما هو إبداعى وما هو توثيقى!، وربما كانت هذه الصيغة هى الصيغة المثلى لحل معادلة بالغة الصعوبة كثيرا ما هيمنت على حقب التحول الحرجة من النظم العسكرية والأمنية الخالصة لبعض الدول فى منطقة الشرق الأوسط إلى نظم تتسم بهامش ظاهرى واسع من الديمقراطية وحرية التعبير، لكنها فى الوقت ذاته تنطوى على خريطة غير معلنة من الخطوط الحمراء والمحاذير، وعلى الكثير من القوى المتربصة الجاهزة للفتك والتنكيل بكل الوسائل بكل من يحاول اجتياز تلك الخطوط.