منذ فترة والعلاقة الخاصة بين إيران وحركة حماس تتأرجح بين منعطفات الأجندات السياسية التي تتحكم بمواقف وسياسات الدول، لم تكن حماس يوما تتصور أنها ستكون خارج المعادلة الإيرانية وحساباتها، خاصة بعد مأزق الاختيار الذي وجدت نفسها فيه إبان اندلاع الثورة السورية وانحياز إيران لنظام بشار الأسد على النقيض من موقف حماس، فكانت النتيجة توتر وفتور في العلاقات بينهما وصلت إلى حد العقاب الذي أوجع حماس، فأحجمت إيران عن تقديم الدعم اللوجستى وومدها بالسلاح والأموال المعتادة التي تعد شريان الحياة بالنسبة للحركة.
فبين المد والجزر استمرت علاقة الطرفين تأخذ طريقها في دروب ومنحنيات المصالح، تارة ينتابها الفتور الواضح والهجوم المباشر وتارة أخرى الغمز بعودة المياه إلى مجاريها وذوبان الجليد الذي أصبح سدا منيعا بينهما وكدر صفو العلاقة منذ انحياز حماس للمحور السنى وتخليها عن حليفها الاستراتيجى وللحكاية تاريخ.
في شهر فبراير من العام الجارى تداول نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعى مكالمة مسربة منسوبة لموسى أبومرزوق، نائب رئيس المكتب السياسى في الحركة، يفضح فيها الحكومة الإيرانية، المكالمة التي أكدت صحتها تحدث فيها أبومرزوق عن أمور هامة لم تصرح بها حماس من قبل، وبلغة لم يسع لها مثيل على ألسنة قادة الحركة، هاجم فيها أبومرزوق الحكومة الإيرانية بشدة متهما إياها بالكذب فقال: «هؤلاء من أكثر الناس تلاعبا بالأوصاف وباطنية وحذرا في السياسة، منذ عام 2009 لم يصل منهم أي دعم، وكل ما كانوا يقولونه كلام كذب وهراء، ما كان يصل لجيوبنا ليس منهم، وكرر اتهامه لإيران بالكذب والتدليس قائلا كلما كان يجرى الحديث معها عن الدعم تشترط علينا بتحسين علاقاتها مع دول مثل السودان وغيرها، بل إن بعض تصريحات الإيرانيين تعتبرنا خوارج، فهم متمرسون من 1400 عام على الدهاء والحيلة والثورية والباطنية وبالتالى هم ليسوا بهذه السهولة».
بدا أبومرزوق خلال الحديث المسرب غاضبا بشدة من إيران التي قررت على إثر التسريب رفض استقبال وفد رسمى من المكتب السياسى لحماس، ويبدو أن العلاقات ساءت بينهما أكثر لدرجة ضاعفت معاناة الحركة من الضائقة المالية الخانقة التي ألمت بها بعد أن جفت منابع التمويل عنها، فما الذي استجد ودعا أبومرزوق ذاته أن ينقلب من النقيض إلى النقيض؟! ما الذي حرك نائب المكتب السياسى لحماس كى يدلى بتصريحات أثارت غضبا كبيرا بين أنصار الحركة وهجوما حادا عليه؟ حينما يصرح أبومرزوق لموقع محسوب على حماس يقول فيه «إن ما قدمته إيران من دعم للمقاومة الفلسطينية سواء على صعيد الإمداد أو التدريب أو المال للمقاومة الفلسطينية لا يوازيه سقف آخر ولا تستطيعه معظم الدول، فماذا يعنى ذلك بعد هجوم عنيف لم يتجاوز الخمسة أشهر؟!
هل شعرت حماس بأنها خرجت من رعاية إيران ومساندتها السياسية ودعمها المادى واللوجستى في ظل وعود دول بعينها ذهبت إلى المجهول؟ أم أن تلك الوعود أثبتت زيفها مع مرور الوقت ولم تستفد حماس من الدول التي استعدت إيران من أجلها؟ ما المغزى من تصريح يخطب ود طهران بعد أشهر قليلة من المكالمة الصوتية المسربة لأبومرزوق ويتحدث فيها عن تلاعب إيران وكذبها بشأن الدعم وتقديم السلاح ويكيل لها الاتهامات والسباب؟
هذا التغير الحاد من النقيض إلى النقيض هل يحمل في طياته دلالات نحو تجميل العلاقات بين حماس وإيران والرغبة في عودة الود الذي انقطع بينهما، في إطار محاولات بذلتها بعض الأطراف مثل حزب الله والجهاد الإسلامى لتحسين العلاقات بين الجانبين؟! أم هي خطوة استباقية لإمكانية توجه وفد من الحركة قريبا إلى طهران؟ وهذا يدعو للتساؤل ما سبب توجه وفد من حماس إلى طهران؟ وما هى الأجندة السياسية التي يحملها الوفد في المباحثات مع المسؤولين الإيرانيين؟ هل وجدت حماس نفسها في الطرف الأضعف بعد توتر علاقتها بطهران؟ هل هناك مغريات جديدة طرحتها طهران أمام حماس ربما تغير المشهد السياسى مستقبلا؟! تساؤلات مشروعة لا تحمل إجابات مؤكدة، لكن وفى كل الأحوال فإن تصريح أبومرزوق يعيد التساؤل حول سيطرة ونفوذ إيران على حركة حماس وموقف الحركة الملتبس والمتاقض من طهران، حتى إن أكثر المؤيدين والمساندين لحماس لم يعجبهم الموقف وانتقدوا تصريحات أبومرزوق بشدة فمد جسور العلاقة بين الطرفين من جديد ليس حلا بل خسارة للمسلمين، لأن إيران تستعدى الأمة الإسلامية بتوجهاتها السياسية والدينية المتداخلة فالحضن الإيرانى الشاذ ما كان يوما لخدمة المسلمين.