السهرات الرمضانية من أحد أبرز معالم القليوبية خلال شهر رمضان المعظم، ورغم أن هذه النوعية من الاحتفالات الرمضانية بدأت فى الانقراض، إلا أن القليل منها مازال يمارس فى القرى، فبعد أن كان فى كل قرية نجد الكثير من المنازل تقيم هذه السهرات وجدنا القليل منها فقط هو الذى يقيمها، حيث يعلو فى هذه السهرات صوت مقرئ القرآن فى الكثير من المنازل عقب تناول الإفطار وصلاة العشاء والتراويح، وتُفتح البيوت وتُضاء الأنوار هنا وهناك فى بعض القرى وتستمر حتى ما بعد منتصف الليل.
يقول محمود عبدالرحمن، من شبين القناطر: «والدى رحمه الله كان يقيم سهرة رمضان، ولم أمنعها من بعده، حيث يأتى شيخ المنطقة إلى منزلنا يوميا بعد صلاة التراويح، ويجلس لقراءة القرآن ويحضر الأهل والجيران من هنا وهناك للجلوس والاستماع إلى المقرئ حيث يتناولون القهوة العربية والتمر».
وفى قرية طحانوب بشبين القناطر، لم يختلف الأمر كثيرا، حيث يوجد بها أكثر من 10 منازل تُقام فيها السهرات الرمضانية القرآنية، ويؤكد عبدالناصر حيدر، أحد الأهالى، أن قرية طحانوب تضم عددا كبيرا من المشاهير فى قراءة القرآن الكريم، ومن هذه المنازل منزل الشيخ «الريس»، إذ ينظم نجله، سمير الريس، السهرة الرمضانية سنويا، والتى توارثوها منذ 100 عام تقريبا، منوها بأن الشيخ يأتى بعد صلاة التراويح ويجلس فى المنزل لقراءة القرآن، فى حضور لفيف من أهالى وشباب القرية الذين يجلسون حوله ويستمعون إليه، ومنهم مَن يقرأ بعده بصوت عالٍ، ومنهم مَن يقرأ فى صمت.
وفى القرية نفسها، هناك منزل آل «هزاع»، حيث يقول سامح هزاع إنه يقيم السهرة الرمضانية سنويا، ويُحييها الشيخ إسماعيل عرابى، ابن القرية، وتتخللها أحيانا بعض الفقرات الدينية الأخرى مثل السيرة النبوية العطرة أو الأحاديث وكذا تناول الأطعمة الخفيفة مثل الحلويات أو الفاكهة وتناول القهوة العربية والبلح.
وفى قرية ترسا بطوخ، لا يوجد سوى منزلين لعائلتين لإقامة السهرات الرمضانية، وهما عائلة «مطر» وعائلة «البدوى»، وأوضح حسنى مطر، محاسب، أنه ورث إقامة السهرة الرمضانية عن والده الحاج حسن، الذى ورثها أيضا عن والده، مؤكدا أن شيخ القرية، الشيخ أشرف بحيرى، يأتى بعد صلاة التراويح لقراءة القرآن حتى الساعة الواحدة ليلا، بحضور العديد من الشباب والرجال لسماع القرآن وتناول المشروبات.
وفى منزل عائلة البدوى، التقينا بالحاج محمود البدوى، الذى ورث هو الآخر العادة عن والده الحاج مصطفى البدوى، ما حوَّلها إلى عادة سنوية، مؤكدا أنه لا يمكن قطعها، ولاسيما أن والده حرص على إقامتها بصورة دورية، وأنها بمرور السنين تضاءلت بصورة كبيرة ولم تعد كما كان يحدث فى الماضى، إذ كان يوجد بالقرية الواحدة ما يقرب من 20 منزلا أو 30 منزلا تقيم السهرات.
وفى قرية سندوه بمركز الخانكة، نجد السهرة الرمضانية بمنزل الحاج عواض حشيش، حيث يقول نجله «هانى»: «نقوم بعمل السهرة الرمضانية سنويا خلال الشهر الكريم، حيث يأتى الشيخ أحمد الفرحاتى، شيخ القرية، بعد صلاة التراويح، ويلتف حوله الرجال والشباب فى مندرة المنزل لسماع القرآن بصوته العذب»، وأضاف أن السهرة عندهم عادة منذ سنوات طويلة، ولا يستطيع إلغاءها لأنهم تعودوا عليها، وأن جميع الأهالى فى القرية تعودوا أيضا أن يقصدوا منزله خلال الشهر الكريم.
وفى قرية قرنفيل بالقناطر الخيرية، اندثرت السهرات الرمضانية، وانحصرت فى عائلات بعينها فقط مثل عائلات «عويس» و«الكومى» و«سمك» و«النجار».
ويقول الدكتور إبراهيم عويس إن السهرة لا تقتصر على قراءة القرآن، فأحيانا يتم التطرق للتحدث فى بعض مشاكل القرية ومشاكل الشباب فى محاولة للبحث عن حلول، مشيرا إلى أن السهرة تطورت الآن عن الماضى، حيث أصبحت أشبه بصالون ثقافى يضم كل أطياف القرية من أطباء وشيوخ ومهندسين وطلاب جامعة ومدرسين وطلاب مدارس وأيضا مزارعين، وبجانب قراءة القرآن يقوم البعض بعرض عدد من المشكلات التى يعانى منها الأهالى فى القرية، ويتم خلالها الوصول إلى حلول عن طريق التواصل مع المسؤولين.
الشيخ أشرف بحيرى، إمام وخطيب، يؤكد: «السهرات الرمضانية الآن أصبحت قليلة للغاية بعد دخول الإنترنت ووسائل التكنولوجيا الحديثة جميع المنازل، فكل منزل الآن به كمبيوتر وإنترنت وأيضا الدش، حيث يقوم أهل المنزل بتشغيل قنوات القرآن طوال الليل وطوال النهار بدلا من أن يقوم بالاتفاق مع أحد المشايخ لكى يأتى إليه ويقرأ كل ليلة فى رمضان»، مشيرا إلى أن الشيخ يأتى للسهرة مقابل جزء بسيط من المال يحصل عليه من صاحب المنزل فى نهاية الشهر الكريم، حيث يذهب صاحب المنزل أو السهرة إلى الشيخ فى منزله فى أول أيام العيد من المعايدة على الشيخ، ثم يعطيه «اللى فيه النصيب»، فهو أجر غير متفق عليه، لأنه فى النهاية نفحات دينية ورمضانية.