ثقوب فى الضمير المصرى، عنوان لكِتاب قَيّم للدكتور أحمد عكاشة أصدره منذ أكثر من عشرين عاما، ربما لو فكر فى إعادة إصداره من جديد الآن لاختار كلمة أوسع وأكبر وأضخم من مجرد ثقوب، أصبحت الثقوب حفراً غائرة فى الضمير والعقل والسلوك المصرى وعلينا أن نعترف بذلك ولا ننكره حتى يمكن أن نبدأ المواجهة، وأن ندرك أن الأمر يحتاج بالفعل إلى علاج لهذا المرض العضال الذى أصابنا وتتناثر آثاره حولنا كل يوم وأحدثها ـ وليس آخرها الغش فى الثانوية العامة وتسيب اللجان واعتداء التلاميذ على المدرسين وتسريب الأسئلة والفشل الذريع فى التوصل إلى سارقى نماذج الامتحانات والإجابات، أصبح طريق النجاح هو الغش والسرقة وأكل جهود المتفوقين بالباطل وبمباركة أهالى الطلبة ومدرسيهم الخصوصيين، الخلل الأساسى بدأ منذ سنوات منذ أن انهارت المدرسة وانهار التعليم وغضت الدولة عيونها عن المدارس البديلة أو مراكز الدروس الخصوصية فماذا كنا نتوقع؟ تسلل الجهل وعدم الإدراك وارتفعت نسبة الأمية وأصبح جانبا واسعا من العقل المصرى هشاً يقبل الخطأ ويستمرئ الكسل ويكره العمل ولا يُقدر معنى التفوق والاجتهاد ما دام غيره يحصل على ما يريد بالغش والواسطة والمحسوبية والرشوة، ولماذا الخوف من العقاب ما دام العقاب غائبا والقانون غالبا فى إجازة وأحيانا فى استراحة، العدالة لم تعد ناجزة أصبحت بطيئة وضعيفة فلماذا تغليب الأخلاق والضمير مادام يتساوى الأمين والسارق والمرتشى والبليد والجاهل؟
مررنا ومازلنا نمر بظروف صعبة، هذا صحيح، لكن تلك الظروف يجب أن تدفعنا للاهتمام بكيان الإنسان المصرى التعليمى والأخلاقى قبل أى شىء، تجارب الأمم حولنا تؤكد أن إصلاح الطريق المعّوج وتحقيق النهضة خطوته الأولى والثانية والتاسعة التعليم. فلماذا نصمم على تجاهل هذا الطريق الواضح ونؤجله؟ وما هى حقيقة صعوباته؟ باللجان الحكومية التقليدية لن ننجز شيئا. بأصحاب الرؤى والخبرة الحقيقية ومن غير ذوى المصلحة يمكننا أن نحقق الكثير، المهم أن نبدأ. كثرت الولولة على أحوال التعليم لكن لا مجيب، ولن يصلحه مجرد تغيير أسطر فى مناهج عفا عليها الدهر أو إضافة مبان مدرسية ليس لها من اسمها إلا المبنى، لن ينصلح حال التعليم فى مصر بنفس تأهيل وتكوين المُدرس الحالى، وتبقى تجارب الأمم هى المرجع الأساسى الذى نصمم على أن نتجاهله.
لم يفقد الناس فى مصر بعد تفاؤلهم بمستقبل أفضل، لكن الواقع أصبح ضاغطًا، ارتفاع الأسعار، اختناق المرور، سوء حالة المواصلات العامة، تراكم القمامة، تعقيد التعامل مع أجهزة الحكومة، المبالغة فى تكاليف العلاج والدواء وحتى التعليم، هذا ما يقابل الإنسان المصرى فى يومه ولا أراه يحتاج لمعجزة لحّله أو مواجهته، بعض من الصرامة والشدة فى مواجهة الانفلات، المساواة وسرعة إعمال القانون وتنفيذ الثواب والعقاب، وقبل أى شىء التحديد الجيد والواعى للأولويات التى يحتاجها هذا الوطن.