«مقال عن مسلسل الأسطورة للنجم محمد رمضان، لكنه ليس مقالا للنقد الفني بالمرة، وإنما للنقد الاجتماعي والسياسي».
لا يحب كاتب السيناريو أن يقدم بطله المجرم للناس مجرما شريرا خالصا، لا يحب الكاتب أن يرى الناس إجرام بطله مدفوعا بنوازع الجنوح في نفس البطل، بل يحب الكاتب أن يرى الجمهور بطله المجرم ضحية للجمهور نفسه.
لا يحب كتاب السيناريو في العموم أن يخسروا تعاطف الجمهور مع البطل الدرامي، فعليهم جميعا أن يروا إجرامه بطولة ضد المجتمع الظالم والقانون القاهر، وأن يعتبروا جنوحه سلوكا طبيعيا غير مخالف لسياق المنطق في حالته، بمعنى أن يرى كل فرد في الجمهور أنه لو وقع مكان هذا البطل المجرم، ولو عاش نفس ظروفه لصار بالضرورة مجرما مثله.
هذه في الأصل نظرية من نظريات علم الجريمة، فقد كان علماء النفس يظنون في البداية أن الإجرام أمر وراثي متأصل في الإنسان، وأنه أمر تمكن قراءته من على صفحات وجهه وتركيبة عظامه وحجم جمجمته، ثم ظهر تيار جديد في علم الجريمة يناقض هذا الاتجاه برمته، ويعزو إجرام الشخص إلى الظروف الاجتماعية التي نشأ فيها، ويستبعد تماما أن يكون للعوامل الوراثية أي دخل في جنوح الشخص.
ومازالت هاتان النظريتان تتضاربان إلى أن استقر علم الجريمة في النهاية على أن الإنسان يولد بنازع إجرامي قد تساعد الظروف الاجتماعية على بروزه، بينما ذهب بعض المتطرفين في الرأي إلى أن كل إنسان لديه نوازعه الإجرامية لو توافرت لها الظروف الاجتماعية المناسبة لظهرت وتوحشت.
قصة مسلسل الأسطورة تدور في فلك هذه الزاوية المتطرفة، فتدور حول شاب «مثالي» اسمه ناصر الدسوقي تخرج في كلية الحقوق متفوقا على كل أقرانه، وكانت حياته كلها تدور حول حلم أن يصير وكيلا للنيابة، لكن بسبب سمعة شقيقه رفاعي الدسوقي، البلطجي الذي يصنع السلاح ويتاجر فيه، لم يقبل ناصر في النيابة.
وتتواصل أحداث المسلسل إلى أن يقتل رفاعي المجرم، فيتحول ناصر المثالي إلى مجرم بديلا لأخيه، يصنع السلاح ويتاجر فيه، ويسعى لقتل من قتلوا أخاه.
يحاول صناع الدراما منذ عقود أن يقنعوا الجمهور بأن ينظروا إلى الظروف التي دفعت مجرما إلى إجرامه قبل أن ينظروا إلى جريمته، وهذا اعتقاد سقيم تماما، فلو اقتنع المجتمع الذي يتعرض لإجرام الجانحين أنه هو نفسه المجرم والجاني في كل جريمة يرتكبها جانح، لصارت فكرة القانون الذي يفرضه المجتمع لحماية نفسه من الجانحين أداة قهر يعاقب بها المجتمع ضحاياه.
وهذه النظرة الأخيرة من جانب كثيرين للقانون على أنه وسيلة قهر، لا على أنه وسيلة ضبط وتنظيم داخل المجتمع الذي يحدث أحيانا أن يكون ضحية لبعض أفراده الجانحين، هذه النظرة تحولت إلى ما يشبه الواقع الذي لا يجوز الجدال فيه.. المجرم ضحية المجتمع.. هكذا بلا نقاش وكأنها الحقيقة الخالصة، بينما الأصل الذي لا نقاش فيه هو أن المجتمع ضحية المجرم وليس العكس.
يشترط القانون أن المتقدم لوظائف القضاء خالصا من السجلات الإجرامية تماما، وكذلك أقاربه من الدرجة الأولى على الأقل، وهو ما يستبعد ناصر الدسوقي من الالتحاق بالنيابة قطعا وقولا واحدا لأن شقيقه مجرم عتيد مازال يمارس الإجرام، وكذلك كان والده.
لكن العمل الدرامي يدعو الجمهور إلى التعاطف مع ناصر ضد هذا القانون الذي وضع ليحمي الجماعة القضائية من التداخل بروابط الدم مع الجماعة الإجرامية، ويحاول الخلط بين إجرام الشقيق والأب الراحل وبين الفقر، ليبدو أنه استبعاد من العمل القضائي بسبب الفقر.
تبرير الجريمة بالظلم السياسي أو الظلم الاجتماعي أو الظلم الاقتصادي مسألة عاطفية يجب أن تقع على هامش القانون، لا أن تقع بديلا له، وبالطبع يجب ألا تصل إلى درجة تنحية القانون جانبا لصالح عواطف تتقلب وتتبدل حسب الهوى، ولن تحمي المجتمع إذا وقعت واقعة الجريمة.
هذه الرؤية السقيمة نفسها تبرر الحقد بالظلم الاجتماعي، وتبرر الجريمة بالظلم الاقتصادي، وتبرر الإرهاب بالظلم السياسي، وهي رؤية قادرة على تبرير كل ما هو إجرامي ضد كل ما هو قانوني، بل ضد القانون والضحية أحيانا.