يعيش الدكتور عثمان محمد عثمان – أستاذ الاقتصاد ووزير التخطيط السابق- منطويا بلا سبب مفهوم، وما أن رايته يوم محاضرة «توماس بيكيتى» في جامعة القاهرة حتى فاتحته عن السبب فقال: يا عم أحسن يقولوا على فلول!. وكان ردى: ليه هو أنت كنت رجل أعمال في الحزب الوطني يا دكتور.. أنت مالك أنت واللى يقول؟. المهم أن الدكتور عثمان أصدر مؤخرا كتابا مرجعيا بمقدمة بليغة للعلامة عمرو محيى الدين، عن علاقة النمو بالتوزيع والعكس في الواقع التطبيقي وفى النظريات الاقتصادية المعاصرة ( وأحصاها جميعا )، كما عرض فيه نتائج بحوث مطولة ومختلفة عن تطور العلاقة في مصر، ومعها قضية الفقر، منذ ثورة يوليو وإلى الآن. في الكتاب مفاجآت صادمة للثوار وللمحافظين.. لليسار وللناصريين.. للجميع تقريبا، وستثير بالقطع جدلا عنيفا. لكن لهذا حديث أخر. ما أود الأشارة إليه الآن ونقلا عن الكتاب هو الأراء التي عرضها الدكتور عثمان لـ «جوزيف ستيجلتز» – الأمريكى الحائز على جائزة نوبل -، والذي هز الدنيا بكتاب له صدر في 2012 عن تفاوت توزيع الدخل والثروة في الولايات المتحدة. عارض «ستيجلتز» بشدة نظرية اليمين في أمريكا وغيرها عن تساقط ثمار النمو من فوق لتحت والتي تدعو إلى منح مزيد من الإعفاءات والتخفيضات الضريبية والمزايا للرأسمال حتى يتمكن من التوسع في الاستثمار وخلق وظائف ودفع أجور. نوه «ستيجلتز» إلى قول مفكر عظيم راحل هو «جون كينيث جالبيريث» الذي شبه نظرية التساقط بمن يطلب أن نرمى شعيرا أكثر للحصان لأنه سيتبرز على الطرق وبالتالى ستتغذى العصافير على الروث. لقد أثبت «ستيجلتز» أن أصحاب الدخل البسيط يدفعون ضرائب بمعدل أعلى من الأغنياء وأن 1 % من الأمريكيين أصبحوا يملكون ثلث ثروة البلد. أرجع انفجار التفاوات إلى سياسة ريجان( وأيده بيكيتى ) بالغاء تصاعدية الضريبة وفتح القطاع المالي عال البحري. أكد «ستيجلتز» أن السوق لا يعمل أبدا كما يقول الرأسماليون، كما أن أ لحكومة هناك لا تصحح فشله، وان النظام السياسي الاجتماعي بالأصل متحيز للأغنياء، وبالتالي لن يعنى بالتصحيح. قال: لقد فشلت الرأسمالية في توفير وظائف لكنها نجحت وتواصل في أنتاج لا مساواة وبطالة وتلوث وانحطاط قيم إلى الحد الذي يصبح معه كل شىء مقبولا ولا أحد مسؤول. لماذا أنقل ذلك الان؟. السبب أن مواطنين مصريين يعيشون في كندا وامريكا حرروا بالأمس خطابا إلى وزير الثقافة، الأستاذ حلمى نمنم، يقترحون فيه أن تقوم الوزارة بمساندة استقدام خبير أقتصادى بارز، قد يكون «أستيجلتز» ( أو «كروجمان» و«جيفرى ساكس» )، وثلاثتهم حائزي نوبل، إلى مصر، للمشاركة في مؤتمر اقتصادي، يعد له هؤلاء المصريون على نفقتهم، وبالتعاون مع خبراء بالداخل وبنك مصر وجامعة القاهرة، حول الاقتصاد المصري، ومتطلبات استعادة توازنه داخليا وخارجيا. المؤتمر سيقام في ذكرى ميلاد طلعت حرب، وقد تم بالفعل الاتصال مبدئيا ب«ستيجلتز». يحصل مثل هؤلاء الأكابر على مبالغ كبيرة مقابل المحاضرات العامة ( تصل إلى 70 الف دولار )، ومع ذلك أود حث الصديق حلمى النمنم على التجاوب مع دعم دعوة «ستيلجيتز» بل واستضفاته رسميا، وترتيب مقابلات له مع رئيس الحكومة ومع وزراء المجموعة الاقتصادية ولا أقول مع الرئيس السيسى.
في أوقات كثيرة وعند الاستعانة بأي أجنبي نقول: ليه هيه كيميا. هذه المرة أقول كيما ونص. نحتاج إلى حقن معرفي وفكري ينعش أوردتنا وعقولنا وخططنا وسياساتنا وحواراتنا. الجمود الذي أنتعش في الأربعين عاما الماضية، دمر أو كاد، ليس فقط الشعير، بل والحصان والعصافير... والطرق...