منذ عدة أيام، طالب أحد قادة أحزاب الإسلام السياسى جماعة الإخوان المسلمين بأن تكتفى بالعمل الدعوى. تزامن ذلك مع دعوات بعض الكتاب والمحللين بأن يقتدى الإخوان المسلمون بحركة النهضة فى تونس ويقوموا بالفصل بين النشاط السياسى والنشاط الدعوى.
الأفكار السابقة تتضمن جانبا كبيرا من حسن النية الذى يقترب من حدود السذاجة والجهل بطبيعة جماعة الإخوان المسلمين، ولكنها تنطوى أيضا على قدر هائل من الخطورة.
جانب السذاجة فى هذه الأفكار يرتبط بافتراض البعض أن جماعة الإخوان المسلمين يمكن أن تتخلى عن نشاطها وأهدافها السياسية وتُمارس فقط النشاط الدعوى. فالجماعة- كما وصفها مؤسسها حسن البنّا- هى «دعوة سلفية وطريقة سنية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، وشركة اقتصادية، وفكرة اجتماعية» ورؤيتها للإسلام- كما يقول البنّا فيما يعرف برسالة المؤتمر الخامس- هى أن «الإسلام عقيدة وعبادة، ودين ودولة، وروحانية وعمل، ومصحف وسيف»، وأن الإسلام، الذى يؤمن به الإخوان، يجعل الحكومة ركنا من أركانه، ويعتمد على التنفيذ كما يعتمد على الإرشاد.
البنّا تحدث أيضا عن مراحل تدريجية لتحقيق أهداف الجماعة، الأولى هى الدعوة للتعريف والتبشير بفكر الإخوان، والثانية هى اختيار الأنصار وتعبئة الصفوف، والثالثة هى مرحلة التنفيذ والعمل. وأشار إلى أن كثيرا ما تسير هذه المراحل جنبا إلى جنب، وخاطب الإخوان بقوله «طريقكم هذه مرسومة خطواتها... قد تكون طريقا طويلة ولكن ليس هناك غيرها».
الدعوة لدى الإخوان إذن لا يمكن فصلها عن الأهداف السياسية الكبرى للإخوان، بل هى مجرد الخطوة الأولى فى هذا الطريق، والأداة الرئيسية لتجنيد الأعضاء والأنصار، وفصل النشاط الدعوى عن النشاط السياسى معناه القضاء على الفكرة التى يتجمع حولها الإخوان، بل وضع نهاية للجماعة ولمبرر وجودها Raison d›etre.
حديث البعض أيضا عن تطور الإخوان وجماعات الإسلام السياسى بأن تصبح أحزابا سياسية ذات مرجعية دينية يحمل أيضا قدرا كبيرا من التناقض، لأن نتيجته هى استمرار التداخل بين السياسى والدينى، واستخدم الدين لتحقيق أهداف سياسية، لذا حرصت التعديلات الدستورية، التى تم إقرارها عام 2007، (المادة ٥) على النص صراحة على أنه لا يجوز مباشرة أى نشاط سياسى أو قيام أحزاب سياسية على أى «مرجعية» أو أساس دينى. ولكن تم إلغاء لفظ المرجعية فى دساتير ما بعد 2011، وتم التغاضى عن الأساس الدينى، ووصل الإسلام السياسى للحكم.
لكن الأخطر فى دعوة «الإخوان» بأن تكتفى بالعمل الدعوى هو افتراض البعض أن العمل الدعوى هو أقل أهمية وأقل حساسية من العمل السياسى، وبالتالى قد تسمح به الدولة. وحقيقة الأمر أن العمل الدعوى أكثر أهمية وخطورة من العمل السياسى، لأنه يستهدف تشكيل العقول واستهواء القلوب، وتأثيره أكثر عمقا وديمومة من أى نشاط سياسى، وخاصة إذا ارتبط بمنطق الحلال والحرام، والتكفير والجهاد، والجنة والنار. يضاف لذلك أن جماعات الإسلام السياسى، بما فيها التيارات السلفية، تدعو لرؤيتها الخاصة للإسلام، ولفكر الجماعة المغلف بالدين، وليس للإسلام الحنيف.
الترويج لفكرة اكتفاء جماعات الإسلام السياسى بالدعوة، وحالة الفوضى التى تسود المجال الدعوى، تحتم الحاجة للتنظيم، ووضع شروط علمية لمن يقوم بالدعوة، وجهة للترخيص لهؤلاء، وضمن عدم الخلط بين الدعوى والسياسى فى الرسالة والنشاط، ووقف حركة التنقلات التى شهدناها فى السنوات الأخيرة لعدد من أشهر الدعاة تنقل من الدعوى للسياسى والحزبى، ثم يعود بعضهم الآن للدعوى مرة أخرى.
تنظيم العمل الدعوى أهم وأخطر من تنظيم العمل السياسى.