على مدى ثلاثين عاما ارتكب نظام حكم مبارك جرائم كبرى فى حق مصر والمصريين، ففى عهده تم تزييف إرادة الأمة، وانتشر الفساد المالى والإدارى والاجتماعى، وتحولت مصر إلى دولة بوليسية، ودخل القانون نفقا مظلما، وتقهقر دور مصر المحورى على المستويين الإقليمى والدولى، وكان آخرها إعداد الدولة لمهزلة التوريث..
وقد كان انتشار الفساد مقترنا بجريمة أخرى لا تقل عنه خطورة وهى تخريب العقل المصرى، حيث وصلنا إلى حد غير معقول من التخلف واللاوعى.. وقد شارك فى هذا التردى بشكل أساسى وزارات: التعليم، والإعلام، والثقافة، كما تركت مؤسسة الأزهر ووزارة الأوقاف ميدان الدعوة فارغا لكل من هب ودب من أنصاف أو أرباع المثقفين، أو مدعى العلم، وهو ما أوصلنا إلى هذه الحالة البائسة..
وجاءت ثورة ٢٥ يناير، لتكشف عن مهازل ومخازى كبرى؛ ثقافية، وأخلاقية، وسلوكية.. كأن الناس كانوا فى كهف عميق مظلم، ثم خرجوا لتوهم فجأة وعلى غير توقع إلى الضوء المبهر، فلم تكن أعينهم قادرة على الإبصار، ولا عقولهم قادرة على السير فى الطريق الصحيح.. كانت الثورة أيضا فرصة كبرى لخروج مختلف تشكيلات أصحاب الفكر المنحرف من الجحور، حيث ارتفعت أعلامهم السوداء فى ميدان التحرير وفى غيره من الميادين، وهو ما كان إيذانا ببداية مرحلة خطيرة من العنف والإرهاب، بلغت ذروتها عقب ثورة ٣٠ يونيو والإطاحة بحكم الإخوان فى ٣ يوليو ٢٠١٣..
صحيح أن هناك ضربات موجعة وجهت للإرهابيين، لكنهم لايزالون يطلون علينا برؤوسهم بين الحين والآخر، وبأشكال مختلفة، بما يعنى أن الطريق ما زال أمامنا طويلا، خاصة أنه - كما هو معلوم - لم يعد محليا، بل يتحرك على المستويين الإقليمى والدولى.. ومن نافلة القول أن نذكر أن مواجهة الإرهاب يجب ألا تقتصر على المواجهات الأمنية فقط، بل يجب أن تتعداها إلى مواجهة على المستوى الفكرى أيضا.. من ناحية ثانية، لايزال الفساد مستشريا ومتغلغلا بأساليب وأنماط جديدة، سواء داخل الجهاز الإدارى للدولة أو داخل معظم - إن لم يكن كل - مؤسسات الدولة.. ويبدو أن الفساد أصبح له تنظيمه وهياكله داخل هذه المؤسسات، وأن لكل تنظيم برنامجه وأسلوبه ووسائله، بل قياداته الرئيسية والفرعية، فضلا عن لجانه النوعية..
أصبح الفساد يتبع أحدث الوسائل التقنية، من حيث الظهور والتأثير والتخفى والهروب، لذا من الصعب تعقبه والوصول إلى منابعه، فهو كالشبح الذى يراك ولا تراه، ويعلم عنك أشياء كثيرة ولا تعلم أنت عنه شيئا.. والمشكلة أن هناك من الناس من يتعايش على الفساد ويعتبره مصدرا مهما لمواجهة أعباء الحياة(!).. نحن الآن أمام سماوات مفتوحة، وشبكات تواصل اجتماعى يتم فيها تبادل أخبار ومعلومات دون رقيب أو حسيب، ولا تحكمها قواعد أو أصول.. أصبحت هذه الشبكات من أهم الوسائل التى يلجأ إليها الإرهابيون من ناحية، والفاسدون والمفسدون من ناحية أخرى، لممارسة أعمالهم وارتكاب جرائمهم، وهم آمنون مطمئنون من أى ملاحقة.. لذا، يجب على الرئيس أن يتخذ من الإجراءات والتدابير ما يؤدى إلى مواجهة حقيقية وفاعلة تجاه الإرهاب والفساد.. وللمرة العاشرة أقول: لابد لمواجهة الإرهاب من تشكيل فريق يضم: خبراء فى الاستراتيجية والتخطيط والإدارة، ممثلين عن مؤسسة الأزهر ووزارات الأوقاف والداخلية والإعلام والثقافة، وأهل الاختصاص فى الاجتماع السياسى، والمهتمين والباحثين فى قضايا الإرهاب، فضلا عن خبراء فى أمن المعلومات..
ولمواجهة الفساد، لابد من الاعتماد بشكل رئيسى على أجهزة الرقابة، بمختلف أشكالها، لكن يبقى مهما وجود تشريعات حاسمة وصارمة ورادعة، مع عدالة ناجزة، تشمل الجميع «دون تمييز»، وبغير ذلك سوف يظل الفساد يرتع فى كل مناحى مصر دون خوف أو وجل..