لبنان يستعد لمواجهة سيناريوهات توطين اللاجئين السوريين

كتب: اخبار الجمعة 10-06-2016 23:16

بيروت- جوسلين حداد الدبس:

من بين أكثر من 3.5 مليون لاجئ سورى هربوا من سوريا، استقبل لبنان 1.5 مليون منهم منذ أن بدأت الحرب السورية فى ربيع 2011، فالحدود المتاخمة- الهشة أمنيا- بين البلدين، وسياسة الأبواب المفتوحة التى اعتمدتها الحكومة اللبنانية لأكثر من 4 سنوات، أسهمت فى تدفق الآلاف من اللاجئين يومياً، ما شكل أعباء إنسانية واقتصادية وأمنية وسياسية كبيرة جداً تفوق قدرة البلد الصغير على تحمل تبعاتها، خصوصاً أنه لايزال يعانى من أزمة اللاجئين الفلسطينيين، فى ظل تقليص وكالة «الأونروا» التابعة للأمم المتحدة مساعداتها للفلسطينيين، كما توقفت المديرية التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمى التابع للأمم المتحدة عن تقديم بطاقات الغذاء للاجئين.
سياسة النأى بالنفس عن الأزمة السورية، التى اعتمدتها الدولة اللبنانية منذ الشرارة الأولى للحرب فى سوريا، جعلت الحكومة اللبنانية تتخلى عن غالبية مسؤولياتها، فيما توزعت مخيمات اللاجئين عشوائياً فى كل المناطق اللبنانية، دون أى ضوابط أمنية، خاصة أن الأجهزة الرسمية اللبنانية كانت شبه غائبة، لتحل محلها منظمات المجتمع الدولى، التى تولت تسجيل الأعداد المتصاعدة من اللاجئين، والتى تعاونت بشكل محدود مع وزارة الشؤون الاجتماعية فى لبنان وجهات حكومية عدة.

اللاجئون السوريون في لبنان


ووفق أرقام وزارة الشؤون الاجتماعية، يضم لبنان 431 مخيما عشوائيا، 71 منها فى عكار شمالاً، و5 فى عاصمة الشمال طرابلس، و290 فى البقاع، و5 فى باقى المناطق اللبنانية.
وظل النزوح السورى عبر الحدود اللبنانية متواصلاً حتى دق ناقوس الخطر جدياً، بعدما كاد عدد النازحين يفوق عدد اللبنانيين بالثلث، فقررت الحكومة فى أكتوبر 2015 وضع ضوابط صارمة، ففرض الأمن العام اللبنانى إجراءات على المعابر لتقليص عدد الوافدين، وطُلب من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التوقف عن تسجيل نازحين جدد.
وجاء تأثير اللاجئين على الأوضاع فى لبنان أمنياً بامتياز، عبر تغلغل عناصر إرهابية كثيرة بين اللاجئين، وما عمليات القوى الأمنية اللبنانية، التى تلقى القبض يومياً على العشرات منهم، سوى خير دليل على هشاشة الوضع الأمنى.
والمشكلة الكبرى التى برزت أيضاً كمنت فى الأعداد الكبيرة للاجئين السوريين غير المسجلين لدى المنظمات الدولية، وتُضاف إليها أعداد الولادات فى لبنان، فقد أظهر مسح أجرته المفوضية السامية لشؤون اللاجئين فى لبنان- التابعة للأمم المتحدة فى 2014، وشمل 5779 مولوداً سوريا جديدا- مخاوف بشأن الاعتراف بجنسياتهم من جانب السلطات السورية، إذ إن 72% منهم لا يحملون شهادات ميلاد.

اللاجئون السوريون في لبنان


وأشارت دراسة أعدها معهد العلوم السياسية بجامعة القديس يوسف فى بيروت إلى أن 70% من النازحين السوريين الذين تم استطلاع آرائهم لا يحملون أوراقاً ثبوتية قانونية، نظراً لضرورة وجود كفيل لبنانى غير متوافر لهم، إضافة إلى ارتفاع أسعار الرسوم، واعتبر 87% إلى 91% من المستطلعة آراؤهم أن الأوراق الثبوتية تؤثر فى أمنهم. من هنا سعت وزارة الشؤون الاجتماعية اللبنانية إلى تنظيم تنقّل هؤلاء اللاجئين، عبر تكوين قاعدة بيانات دقيقة حول اللجوء السورى.

اللاجئون السوريون في لبنان


وقد كشف وزير الشؤون الاجتماعية اللبنانى، رشيد درباس، لـ«المصرى اليوم»، أن الوزارة بصدد إصدار بطاقات رسمية تسمح لهم بالتنقل فى كل المناطق اللبنانية، ما يسمح لها بتكوين قاعدة بيانات مفصلّة مفيدة عن تعدادهم، استناداً إلى وثائق تسجيلهم لدى مختلف مكاتب مفوضية اللاجئين.
ودعا درباس اللاجئين الذين يفتقرون إلى أوراق ثبوتية إلى تسجيل قيدهم فى سوريا أو السفارة السورية فى لبنان أو سجل الأجانب بوزارة الداخلية اللبنانية.
وإذا كان المؤقت يدوم- كما يقول الوزير درباس- فإن هذه البيانات لن تكون إلا وثيقة رسمية عن أعداد السوريين اللاجئين وخريطة توزيعهم، فى ظل تلكؤ المنظمات الدولية عن دعم المجتمعات المضيفة لهم.
ويرفض درباس الحديث عن أى دمج لهؤلاء فى المجتمعات المضيفة، قائلاً إن الدولة اللبنانية لم تصدر جوازات سفر أو بطاقات تجول للإيجار، وليست لديها أى أرض للإيجار، والأهم أنها لن تكون شريكة فى تجريد الشعب السورى من هويته.

وزير الشؤون الاجتماعية اللبنانى، رشيد درباس


وتكبد لبنان خسائر مالية كبيرة نتيجة النزوح السورى، بلغت- حسب وزير العمل اللبنانى سجعان قزى- نحو 14 مليار دولار، بعدما كانت بين عامى 2011 و2013 نحو 4.7 مليار دولار، فيما أكد الوزير درباس أن المبالغ التى وعد بها المجتمع الدولى لبنان بلغت 2.1 مليار دولار لعام 2015، لم يحصل لبنان منها سوى على 1.3 مليار دولار.
كما برزت أزمة البطالة المستفحلة بفعل منافسة العمالة السورية للعمالة اللبنانية، علماً بأن الجزء الكبير منها يقع على عاتق أرباب العمل اللبنانيين، الذين يفضلون اليد العاملة السورية الأقل أجرا.
ويقول قزى إن نسبة البطالة قفزت فى 2011 من 10.3% إلى 32%، ثم عادت وتراجعت فى 2015 إلى 25% بفعل سياسة وزارة العمل، بالحدّ من إعطاء تراخيص العمل للسوريين فى غير القطاعات التى يعملون فيها تاريخياً، خصوصاً أن عدد العاملين السوريين يبلغ 600 ألف يزاحمون الأيدى العاملة اللبنانية.
وجاء الحديث عن توطين اللاجئين ليشكل الشعرة التى قصمت ظهر الحكومة اللبنانية، فى ظل وجود 1.5 مليون لاجئ سورى تأقلموا مع واقعهم فى لبنان، ناهيك عن كلام حكومى متكرر من أن الخوف يكمن فى أن التوطين أصبح شبه واقعى.

اللاجئون السوريون في لبنان


وكانت زيارة الأمين العام للأمم المتحدة، بان كى مون، إلى لبنان، والتى قاطعها وزير الخارجية والمغتربين اللبنانى، جبران باسيل، بحجة أنها تهدف إلى تسويق فكرة التوطين، وتلاها تقرير الأمين العام، بان كى مون، بعنوان «بأمان وكرامة: التعامل مع التحركات الكبيرة للاجئين والمهاجرين»، بمثابة جرس إنذار جعل الحكومة اللبنانية مجتمعة ترفضه، ولاسيما بعدما أورد عبارة «العودة الطوعية للاجئين السوريين إلى بلادهم»، فالتقرير أورد أن اللاجئين يحتاجون إلى التمتع بوضع يسمح لهم بإعادة بناء حياتهم والتخطيط لمستقبلهم فى الحالات التى لا تكون فيها الظروف مواتية لعودتهم إلى وطنهم. وينبغى أن تمنح الدول المضيفة للاجئين وضعاً قانونياً، وأن تدرس أين ومتى وكيف تتيح لهم الفرصة ليصبحوا مواطنين بالتجنس، «الفقرة 86»، مشيرا إلى أن «هذا يتماشى والفقرة 34 من معاهدة اللاجئين لعام 1951».
وفيما طالب «باسيل» باستبدال عبارة «العودة الطوعية» بالعودة الآمنة- وهذا ما حدث- أرسل بان كى مون رسالة إلى الخارجية اللبنانية، أكد فيها أن مسألة توطين اللاجئين فى البلد المضيف تعود حصراً إلى قرار البلد نفسه، لكنه أعاد التأكيد أن العودة منوطة بتغيير جذرى للظروف فى سوريا، مشدداً على اعتبار الطابع الطوعى للعودة ضرورياً.
بان كى مون أوضح، للحكومة اللبنانية، أن كلامه لم يستهدف السوريين فقط، وإنما 250 مليون لاجئ فى العالم، وتبعه الناطق باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، الذى شدد على أن التقرير «لا يروج- فى أى حالات محددة- للتوطين أو منح الجنسية للاجئين».
ووصف الوزير درباس، لـ«المصرى اليوم»، إعادة التوطين فى بلد ثالث بأنها «من الخزعبلات التى لا يتم التعويل عليها»، فالمؤتمر الدولى الذى سعى إلى إعادة توطين 130 ألف سورى فى العالم واجهه درباس بالقول إن هذا العدد موجود فى بلدة عرسال البقاعية اللبنانية وحدها.
من جهته، كشف وزير العمل، سجعان قزى، فى تصريح سابق، وجود تقارير عن منظمات دولية تناولت بقاء طويل الأمد للاجئين السوريين فى لبنان، إضافة إلى لوبى دولى مهمّته تسويق بقائهم هناك. وذهب إلى حد القول إن هذه المنظمات تستدعى عمداء وأساتذة جامعات كبرى فى لبنان لتسويق تثبيت اللجوء السورى.
وأضاف قزى أن الهيئات الاقتصادية اللبنانية تُدعى من قِبَل المنظمات الدولية والبنك الدولى ومنظمة العمل الدولية وصندوق النقد إلى شرح إيجابيات توظيف السوريين فى لبنان، إضافة إلى تجنيد باحثين من الخارج لنشر ثقافة البقاء السورى.