كنت أتنقل بين الفضائيات مثل كثيرين، أحاول التعرف على ما تقدمه القنوات من برامج ومسلسلات رمضانية.. فجأة توقفت عند قناة دريم، حيث طارق علام فى برنامج «للأمام».. قلت فى نفسى: ياه والله زمان.. طارق علام الآن أقل ضجيجاً من ذى قبل.. كان برنامجه «كلام من ذهب» الأعلى مشاهدة، يبدو أن الناس كانت تجرى وراء الربح السريع.. ومازالت.. الآن طارق يقدم برنامجاً إنسانياً يتضمن رسائل مؤلمة!
فى حلقة أمس الأول، شاهدت طارق علام يستضيف طفلاً نابهاً.. يقدّمه باعتباره صاحب اختراع مهم.. يتكلم برقى وشياكة ويعيش فى دار أيتام.. فوجئت أنه ليس يتيماً.. الأب حىُّ يُرزق، والأم أيضاً حيّة تُرزق.. انفصل الأب والأم، وقرر كل منهما الزواج.. وكان مصير محمد فى الشارع، لولا أدركته عناية الله، وتولته سيدة محترمة لتربيته.. ثم أصبح الآن فى دار أيتام ترعاه جيداً، ويجد فيها الأمن والرعاية والتعليم!
استرعى انتباهى أن الطفل يتحدث عن والديه بلا أدنى مرارة.. يشعر بحالة رضا غريبة.. عندما سأله طارق علام عن حاله، قال: الحمد لله، كان زمانى فى الشارع دلوقتى.. غيرى مش لاقى كده.. يتكلم بطريقة أكبر من سنه، ويشعر بالامتنان تجاه الست التى ربته، وأنقذته من الهلاك والضياع.. سأله: لو كان عندك مكافأة تعطيها لمين؟.. قال بلا تردد للست اللى ربتنى.. ثم راح يقدم لها «عمرة» ويقبل رأسها ويديها!
سؤالى: من هى الأم التى أوصى بها الرسول؟.. من أحقُ الناس بحسن صحابته الآن؟.. أمّه التى حملته وولدته وألقت به فى عرض الطريق؟.. أم الأم التى تلقته وربته وعلمته؟.. من المقصودة بقوله: أمك ثم أمك؟.. من الأب الذى يستحق احترامه؟.. الأب الذى انفصل وألقاه وأنكره؟.. أم الذى أعطاه الدفء والحنان؟.. ماذا جرى؟.. أين الأب والأم؟.. حين يصبح محمد عالماً كبيراً سيظهران ويطلبان السماح والمغفرة؟!
نحن أمام طفل سيكون له شأن كبير.. لا أدرى كيف هان على والديه أن يلقيا به فى الشارع؟.. قمة فى النباهة، وقمة فى التسامح.. صوته يُمزّق القلوب التى تحسّ فقط.. لا أظنه كان يحفظ كل ما قاله.. لا أظنه قد تم تلقينه.. بالعكس هو يتحدث بتلقائية شديدة.. أصعب شىء أنه لم يبك من تصرفات أمه وأبيه.. لو بكى ربما كان استراح.. لكن يبدو أنه بكى زمان حتى لم يعد عنده وقت للبكاء، ولا حتى رفاهية البكاء!
للأسف، القانون عندنا لا يعاقب الأب والأم على التنكيل بالأبناء.. القانون لا يهتم بالطفل أبداً.. يعطيه لأمه قهراً وقسراً ونكاية فى أبيه، فيذهب أبوه فيتزوج، فتتزوج أمه وتلقيه فى الشارع.. بس كده.. الأبناء لا يختارون أى شىء.. لا يختارون من يعيشون معه.. إذا أخذته الأم كان رهينة، وإذا أخذه الأب ضاق به صدره.. مأساة الطفل محمد تحتاج للتوقف أمامها.. هل من حقه أن يغيّر اسمه فى شهادة الميلاد مثلاً؟!
لا فائدة من صيام ولا صلاة ولا زكاة.. لا صيام بلا رحمة، ولا صلاة بلا رحمة.. هذه القصة وغيرها تؤكد فشل رجال الدين.. وتؤكد فشل علماء الاجتماع.. وتؤكد فشل رجال القانون.. أين حقوق الأطفال فى قانون الطفل؟.. المأساة أن هذه الأم صائمة الآن، وهذا الأب صائم الآن.. ثم يقال أمك ثم أمك.. ثم أبوك!