الانقلاب الروحى فى حياة الرومى والغزالى

أيمن الجندي الثلاثاء 07-06-2016 22:14

الموضوع مهم بالفعل، لأنه ثمرة الدين. وأعنى به حب الله عز وجل. والحقيقة أننى أفهم الرومى والغزالى. وأفهم انقلاب كليهما من مجرد عالم شريعة إلى عاشق.

■ ■ ■

علوم الشريعة التى أتقناها مجرد علوم لا تمس القلب، مثل الطب والهندسة. هذا ما يفسر تحاسد العلماء وتهالكهم صوب الدنيا. أرسل يدك فى الصلاة على مذهب مالك أو اعقدها فوق بطنك. ماذا تصنع لو شربت سهوا وأنت صائم؟، كم ترث إذا مات والدك؟.

علوم مهمة بالتأكيد ولكن ماذا عن أحوال القلب؟، يخشع أو يفجر!، ينصرف أو يقبل!، ماذا عن ثمرة التوت السماوى التى أودعها الله فى قلبك؟، فارغة أم ممتلئة؟ ماذا عن حب الله عز وجل الذى بدونه تصبح الديانة مجرد طقوس؟ ماذا عن «روح الروح» التى أشار لها التبريزى للرومى: «الأرواح مكشوفة، وروح الروح محجوب».

■ ■ ■

هذا بالضبط هو لب المسألة. وهو سبب قلق الرومى العميق قبل لقائه بالتبريزى. قال له التبريزى حين التقاه:

«حتى لو أصبحت خزينة علم، لن تكون عن الدنيا راضيا».

بالفعل كان الرومى خزينة علم، ولكنه لم يكن راضيا حين يتفقد رصيده من حب الله عز وجل. عبّر عن ذلك الغزالى بدقة حين قال: «ثم لاحظت أعمالى - وأحسنها التدريس والتعليم - فإذا أنا فيها مقبل على علوم غير مهمة، ولا نافعة فى طريق الآخرة. ثم تفكرت فى نيتى فى التدريس، فإذا هى غير خالصة لوجه الله تعالى، بل باعثها ومحركها طلب الجاه وانتشار الصيت، فتيقنت أنى على شفا جرف هارٍ. فلما أحسست بعجزى، التجأت إلى الله التجاء المضطر، فأجابنى وسهل على قلبى الإعراض عن الجاه والمال والأهل والولد والأصحاب».

وهكذا انتقل الغزالى من الفقه إلى الروح. بل إلى روح الروح الذى أشار إليه التبريزى.

■ ■ ■

طلّاب العلم لم يفهموا سر تعلق الرومى المُبجل بهذا الدرويش الفقير. لم يفهموا أنها قصة الغزالى تكرر نفسها فى تحولاته الكبرى. لقد كان قلقا وغير سعيد البتة.

كانت علاقة مرشد ومريد. قال له: «أنا دليلك فى هذا الدرب الوعر». والتبريزى لم يكن مجرد مرشد عادى.

«أنا الناطق والساكت، وأنا لوح الصامتين.

وأنا الدم والحليب، وأنا الطفل والكهل».

وقد أجمع الباحثون على حماسة التبريزى الروحية المُعدية. الآن نفهم قول الرومى:

«شمس التبريزى حولك.. لا أحد على وعيه».

يقصد أنه حينما يكون التبريزى حاضرا فإنهم يكتشفون أنهم يحبون الله أكثر مما تصوروا!

«احفر سجنك وحرر ذاتك»

وقال له أيضا: «احمل أمتعتك والتحق بالقافلة»

بالطبع يتحدث التبريزى بالرمز، وقد فهمه الرومى تماما.

■ ■ ■

ما الذى تنتظرون من الرومى؟ من رجل اكتشف الكنز المخفى فى روحه. لم يكن عجيبا أن يحبه إلى هذا الحد، والحقيقة أنه فى حبه يحب الله: «حمدا لله أننى رأيت وجهك/ ووجدت سبيلا نحوك/ لقد أصاب الوهن عينى من البكاء/ قد تساءلت كثيرا: أين الوصال وأين الخلاص؟».

لقد جعله يكتشف ذلك الكنز الكامن فى أرواحنا جميعا! حب الله عز وجل! هذا هو ثمرة الدين وذلك ما نخرج به الدنيا. دلنى على رصيدك من حب الله أقل لك ماذا أخذت من الدين.

رزقنا الله بـ(التبريزى) الخاص بنا! الذى يجلو أرواحنا ويخلصها من الركود العظيم. ويزيل عن قلوبنا غشاوة طالت. ويساعدنا على اكتشاف كم كنا نحب الله تعالى دون أن ندرى!