أحداث كثيرة شهدها المجتمع، خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، فى كل مرّة كانت أصابع الاتهام فيها تشير إلى الإخوان، حتى لو كان الاتهام غير طبيعى أو غير منطقى، أعجبنى تامر أمين فى برنامجه ذات مرة، حينما كان المتحدث الرسمى عن إحدى الوزارات يحاول إقناعه بأن الإخوان هم السبب إلا أنه رد قائلاً: «لا أستطيع تحميل الإخوان المسؤولية هذه المرة، عملناها كتير قبل كده، إنما المرة دى لأ، مش ها أقدر»، والمتحدث بكل صفاقة يرد: «إنت أبوالمفهومية يا أستاذ، وممكن تمشيها كده المرة دى»!.
وصلت الأمور إلى حد التندر فى بعض المواقف، كتدخلهم فى شدة الحر أو شدة البرد، وبالتأكيد فيما يتعلق بارتفاع الأسعار، بأزمة الجنيه، بسوء أوضاع الاقتصاد، بتراجع العلاقات مع العالم الخارجى، إلى غير ذلك من أحداث، لو أنها كانت صحيحة ما كانت تمت زحزحتهم عن السلطة قيد أنملة، ماداموا بهذا القدر من القوة والتجذّر، ليس فى الداخل فقط وإنما فى الخارج أيضاً.
المهم أن ما أثار انتباهى الآن هو تصريح المتحدث باسم وزارة التربية والتعليم بأن عملية تسريب امتحانات الثانوية العامة هذا العام يقف خلفها الإخوان، مستخدماً أيضاً التعبير الرسمى «أهل الشر»، ومعترفاً فى الوقت نفسه بأن الامتحانات تم تسريبها من داخل الوزارة، ومتحدثاً عن تفعيل الوزير لقرار الحبس والغرامة فى هذا الشأن، سواء ما يتعلق منها بتسريب الامتحانات أو الغش الجماعى الذى أصبح هو الآخر سلوكاً طبيعياً، حسبما يتواتر من أخبار.
أعتقد أن شماعة الفشل هذه، فى مجمل حياتنا، لا يجب أبداً أن تستمر أكثر من ذلك، تم إلغاء امتحان الثانوية فى مادة الدين بعد أن ثبت تسريب الامتحانات، بالتأكيد هى كارثة، رغم أن الطلاب كانوا سعداء، الشائعات كانت القاسم المشترك أن الدولة بصدد إلغاء مادة الدين أصلاً، أن الموضوع لا يحتاج إلى تفكير، حتى حينما تسربت امتحانات اللغة العربية، سرّبت نفس الشائعات، الدولة لم تعد تعنيها اللغة العربية، سوف تكتفى بالإنجليزية، السؤال: ماذا عن تسريب مادة الإنجليزى هى الأخرى، ماذا عن بقية المواد.
أعتقد أننا نعيش أزمة إدارة، كما أزمة أخلاق، كما أزمة اللهو الخفى تماماً الذى قد لا يكون له وجود، إلا أنه يمكن أن يعيش فى أوهامنا وأحلامنا وكوابيسنا طوال الوقت، مادامت لا توجد إرادة حقيقية فى الإمساك بالفاعل الحقيقى لكل كارثة، حتى حينما يتعلق الأمر بقضايا على قدر كبير من الأهمية، كتسريب الامتحانات، والثانوية العامة تحديداً، وليست أسئلة الامتحانات هذه المرة، إنما الإجابات النموذجية، فإن الأمر يتجه أيضاً إلى ذلك اللهو الخفى، دون أدنى حياء.
الأمر جِد خطير أيها السادة، لا يمكن القبول أكثر من ذلك باعتبار الفاعل مجهولاً فى أى حادثة أو كارثة، السارق الآن يعلم تماماً أن واقعة السرقة سوف تُنسب لغيره، المزوّر كذلك، الفاسد أيضاً، شماعة الإخوان لم تعد مقبولة، إلا إذا تم تحديد الفاعل، أخشى أن يتم إغلاق هذه القضية على هذا النحو، الإجابات تتسرب، الامتحانات تُلغى، الاتهامات وهمية، تحقيقات كالعادة رمزية، وكأن شيئاً لم يكن، والحقيقة، كما ذكرها أحد خبراء التربية والتعليم قبل ذلك فى برنامج تليفزيونى، أن هناك مسؤولين يتربحون، تمرّ السنة تلو الأخرى، والأزمة هى الأزمة.
يؤسفنى القول بأن وزارة التربية والتعليم أصبحت من الوزارات سيئة السُّمعة، لأسباب كثيرة، فى مقدمتها عملية تسريب الامتحانات هذه، وهو ما جعل البعض يطلق عليها وزارة التربية والتسريب، والبعض الآخر يتندر بضرورة البحث عن سبّاك لسد مواطن التسريب، بينما هناك من يرى ضرورة أن يتصدر اسم الوزير قائمة الاتهام، باعتباره المسؤول الأول، ثم وكيل الوزارة لشؤون الامتحانات، لأن مثل هذه القضايا يتم تحميلها فى نهاية الأمر على أحد صغار الموظفين الذين لا حول لهم ولا قوة.
أمر الامتحانات أيها السادة، دائماً وأبداً محدد بخط سير وأشخاص ذوى طبيعة خاصة، من خلال منظومة، لا يستطيع أحد اختراقها، بالتالى فإن القضية تصبح محددة الزمان والمكان وعددًا محدودًا من الأشخاص، ما بالنا إذا تعلق الأمر بالثانوية العامة، ما بالنا إذا لم يكن هاجس التسريب أو الخيانة متوافرًا منذ البداية، ما بالنا حينما يتعلق التسريب بأكثر من مادة، ربما كل المواد تقريباً، ما بالنا إذا تجاوز الأسئلة إلى الإجابات، ما بالنا إذا أصبح ذلك من خلال مواقع إلكترونية «على المشاع» وليس بيع الامتحانات لشخص أو أكثر.
أتصور أن الأمر جد خطير، استفاد منه فى السابق كثيرون من طبقات بعينها، طبقاً لما أسفرت عنه التحقيقات فى ذلك الحين، إلا أن الوضع الراهن يشير إلى اتساع تلك الرقعة التى تؤكد استمرار التمييز، وعدم تكافؤ الفرص، حتى فيما يتعلق بأبناء فى مقتبل العمر، بماذا نبرر لهم، وماذا نطلب منهم أن يكونوا فى المستقبل؟! هذه هى الكارثة الحقيقية.