شاشة معقمة فى رمضان.. بناء على توجيهات الرئيس!

طارق الشناوي الإثنين 06-06-2016 21:13

هل ستسارع نقابتا الممثلين والموسيقيين بإعلان أن الفن الذى نشاهده على الشاشة الصغيرة فى رمضان لا يعبر عن مصر، وأنه يدعو للانفلات وأنهما وبناء على توجيهات الرئيس يتبرآن مما يعرض، لا شىء فى الحقيقة مستبعد، فلقد فعلها نقيب الممثلين أشرف زكى بعد 24 ساعة فقط من عرض مسلسلات رمضان الماضى، فما الذى يمنعه من أن يعتبر أن كل ما يُقدم سلبيات المجتمع على الشاشة هم من أهل الشر.

هل على كُتاب الدراما أن يستشعروا بالضبط ما الذى يريده الرئيس ويحيلوه إلى مسلسلات وأغان؟ كثيرا ما أشار الرئيس فى أحاديثه إلى وسطية الإسلام، وهكذا قدموا العام الماضى مسلسل (دُنيا جديدة)، للتعبير عن تلك الرسالة، وللعلم تكبدت الدولة خسائر مادية ضخمة، والأهم أن الرسالة لم تصل فلقد انصرف عنه الجمهور.

الرئيس فى حواره الأخير مع أسامة كمال أشار إلى أغنية (قلنا ح نبنى وادى احنا بنينا السد العالى) على اعتبار أنها ساهمت بصوت عبدالحليم وكلمات أحمد شفيق كامل وتلحين كمال الطويل فى الترويج للسد، وأن هناك عشرات من المشروعات التى يتم الآن تنفيذها تستحق المعاملة بالمثل، أضاف الرئيس وأنا فى الحقيقة أصدقه تماما أنه لا يريد الغناء باسمه، نعلم جيدا أن (جينات) النفاق بين فنانينا بطبيعتها عابرة للأجيال، وهناك أكثر من محاولة أرادوا تمريرها للغناء باسم السيسى إلا أن قرار الرئيس كان ملزما وهو الرفض، حاول هانى شاكر أن يقص شريط الافتتاح ولكن رفض تماما طلبه، لا أشك أبدا فى أن هناك من سيحاول بين الحين والآخر جس النبض لعل وعسى.

لا بأس بالطبع أن يكون للرئيس رأى فى الأعمال الفنية على ألا يكون بالضرورة ملزما للآخرين، فهو مثلا معجب بفيلم (رُد قلبى) ويراه هو النموذج الذى يحتذى، الفيلم صار بالفعل عنوان ثورة 23 يوليو ولكن الحياة ليست كلها (رد قلبى) هناك (شباب امرأة)و (زوجتى والكلب) و(شنبو فى المصيدة)، الدنيا تتسع لكل الأطياف، لو عدت لعلاقة المؤسسة العسكرية بالسينما ستكتشف أن لهم رأيا فى الفن وهو ما أعلنه اللواء محمد نجيب بعد الثورة بأسبوعين فقط فى بيان شهير عنوانه (الفن الذى نريده) كان يرى أن وجود راقصات فى الأفلام المصرية يتعارض تماما مع ثورة 52 وروحها الوثابة وأن الرقص أحد معالم العهد الملكى البائد، وكما تذكر د. درية شرف الدين فى رسالة الدكتوراة والتى ضمها كتابها عن السينما والسياسة، كيف أن عددا من السينمائيين عندما التقوا لأول مرة مع رجال الثورة حرصوا على ارتداء الكاكى، طالبهم عدد من مجلس قيادة الثورة، بأفلام تتناول منجزاتها وافق أغلبهم فيما عدا عدد محدود تحدثوا أن السينما لا يمكن أن تخاصم الترفيه.

لم يختف الرقص من السينما فى حقبة الخمسينيات ولم تتوقف أفلام الترفيه ولا حتى الأغانى الرديئة، وصالحت الدولة الفن بكل أطيافه، بل حدث ما هو أكثر، فى عام 55 أصيب فريد الطرش بذبحة صدرية حالت دون حضوره العرض الأول لافتتاح فيلمه (عهد الهوى) فكتب خطاب للرئيس جمال عبدالناصر لكى يشارك جمهوره بدلا منه، فذهب الرئيس ومعه مجلس قيادة الثورة إلى سينما (ديانا)، تأملوا هذه الواقعة جيدا لتدركوا أولا أن فريد لم يستشعر ولو للحظة واحدة أنه يتطاول على قامة وقيمة الرئيس وأن الرئيس على الجانب الآخر اعتبر أن ذهابه للافتتاح بدلا من فريد أمر عادى جدا، وبالمناسبة الفيلم الذى أخرجه أحمد بدرخان يتناول علاقة مطرب بعاهرة!

عبدالناصر كان كثيرا ما يذهب لحفلات أم كلثوم، وتُقدم له أغنيته المفضلة (أروح لمين)، وهكذا مثلا فى الاجتماع الذى عقده بعد إعلان تأميم الصحافة فى عام 60، ذكر أن (بى بى سى) وكانت فى ذلك الوقت تُصنف كإذاعة معادية إلا أنها لا تتوقف عن بث أغنيات لعبدالحليم وعبدالوهاب قال ذلك باعتزاز شديد، رؤية بها رحابة أكبر للفن وهو ما كان يتمتع به أيضا أنور السادات، بينما مبارك يبدو فقط مرحبا بمن يغنى له (اخترناه اخترناه) لا تستشعر أبدا أنه مثلا ممكن أن يجلس على الأرض مثل أنور السادات ليستمع إلى بليغ حمدى مرددا ألحانه، بينما تبدو علاقة الرئيس السيسى بالفن بها قدر من التحفظ هو يرنو إلى نوع محدد من الإبداع، وهكذا مثلا كانت رؤيته الرافضة لأفلام العشوائيات وقبلها عندما قال فى إحدى الاحتفاليات لكل من أحمد السقا ويسرا (ربنا ح يحاسبكوا) يقصد بالطبع على الأعمال الفنية، ولهذا شاهدنا بعدها مباشرة من يسعى بين النجوم لكى تصل الرسالة للرئيس أنهم على الموجة، يقدمون كل ما تريده الدولة، قرأوا شفرة الرئيس وقرروا المزايدة.

لا يوجد فن يقدم على مزاج أو مواصفات الدولة ولا رئيسها، أتذكر أثناء تولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة حكم البلاد فى أعقاب ثورة 25 يناير، توجهوا لإنتاج أغان عن الثورة على طريقة حمادة هلال (شهداء 25 يناير ماتوا فى 25 يناير) فتقدم كل من لديه قصيدة أو أغنية متعثرة للجنة، وظلت هذه الأغانى حبيسة الأرشيف، والحمد لله الذى لا يحمد على مكروه سواه، أنها لم تخرج للنور، فما سمعته منها يجعلنا نتمنى لها طول الإقامة فى الأدراج.

عندما تُرصد مكافأة قدرها مليون جنيه لمن يُقدم مسلسلا يخلو من التدخين أو التعاطى من خلال وزارتى التضامن الاجتماعى والشباب ويحظيان على مباركة نقيب الممثلين، فهذا فى الحقيقة لا يعنى سوى أننا نبحث عن فن معقم، يخاصم واقع الحياة. العشوائيات يقطنها 15 مليون مصرى وأفرزت ثقافة مغايرة لم تستطع الأفلام والمسلسلات أن تقترب منها، مثلا العلاقات الجنسية بين الرجل وزوجته نظرا لضيق المكان من الممكن أن يتابعها الأبناء بل والجيران فما الذى ننتظره بعد ذلك من هذا المجتمع، العشوائيات التى شاهدناها فى الأفلام لم تقدم سوى جزء من الحقيقة، هناك من يريد أفلاما ودراما وأغان (كارت بوستال)، معتقدا أنه ينفذ حرفيا توجيهات الرئيس!.

tarekelshinnawi@yahoo.com