رمضان عند الفراعنة!

زاهي حواس الإثنين 06-06-2016 21:12

أولاً وقبل أن يتهمنى أحد القراء الأعزاء بتزييف التاريخ، أؤكد أن الفراعنة لم يخصصوا شهراً بعينه للصيام، ولكن هناك حقائق تثبتها الآثار الفرعونية، ومنها تأكيد الطبيب الفرعونى على أن بيت الداء فى جسم الإنسان هو المعدة، وأن صحة الإنسان تبدأ من الفم ومن الطعام الذى يتناوله، فلا الإكثار من الطعام كان فائدة عند الفراعنة ولا الإقلال منه أيضاً. وقد تعجبت أشد العجب من ذلك الطبيب المصرى القديم الذى نصح مريضاً بأن يترك جزءاً من معدته خاوياً ليساعدها على هضم الطعام ولكى يستطيع أن يتنفس بصورة طبيعية، كأنى به ينصح بثلث لطعامك وثلث لشرابك وثلث لنفسك! وكان أمنحوتب الثالث- وهو الفرعون الذى عاش منعماً تأتيه الخيرات من كل البلاد لكسب صداقته- محباً للطعام بشراهة، خاصة الحلوى بأنواعها، مما خلق له مشاكل صحية جمة بالأسنان واللثة، وكانت النصيحة هى الامتناع عن هذه الأطعمة وللأبد.

كان النظام الغذائى عند الفراعنة يقوم على ثلاث وجبات تبدأ أولها مع شروق الشمس فى المنزل قبل الخروج للعمل، والثانية وهى الغداء يكون إما فى الحقل أو فى ورشة العمل أو على مركب الصيد، أى خارج المنزل وفى مكان العمل وعند انتصاف النهار، والوجبة الثالثة هى الرئيسية وهى العشاء وتكون عند غروب الشمس ومع الأسرة بمجرد عودة رب العائلة من العمل وبها اللحوم أو الأسماك والخضروات والخبز بالطبع، فلم يكون الأرز معروفاً عندهم.

نترك الفراعنة ونعود لشهر رمضان الكريم، حيث يشاء المولى عز وجل أن أقضى سنوات طويلة بالولايات المتحدة الأمريكية بعيداً عن الوطن، أصوم رمضان مع الأصدقاء والزملاء الدارسين، وكنا لا نشعر بالغربة لكثرة المصريين والعرب من مسلمين ومسيحيين، وكنا نفطر كل يوم عند أحد الأصدقاء، فاليوم عند صديقنا محسن وغداً عند صديقنا مينا، وكان الطعام على كل شكل ولون «سورى- لبنانى- سعودى- عراقى- جزائرى- مصرى»، وأقول إن تلك كانت أياماً لا تنسى فى حياتى.

أما فى أرض الكنانة مصر الحبيبة الغالية فلشهر رمضان مذاق آخر هو مذاق الطفولة التى فتحت عينى فوجدت قريتى العبيدية بمحافظة دمياط تختلف فى شهر رمضان عن كل شهور السنة تتزين وتتهيأ لمقدم الشهر، والكل يسارع إلى عمل الخير، والكل يأكل على مائدة واحدة ويستمع إلى إذاعة واحدة قبل انتشار التليفزيون بالقرية. ويتحول المصريون إلى قلب وعقل واحد يذهبون معاً إلى أماكن محددة مثل حى الحسين أو مسجد السيدة زينب أو مسجد السيدة نفيسة رضى الله عنهم جميعا لسماع القرآن الكريم من قامات رفيعة من شيوخ المقارئ المصرية، والتمتع بتواشيح الفجر وختم القرآن بمسجد عمرو بن العاص بحى مصر القديمة. وصلاة عيد الفطر فى الساحات وتهنئة الناس لبعضهم البعض. فى شهر رمضان أرفض أن أسافر بعيداً عن القاهرة، لأن مذاق هذا الشهر أصبح مهماً جداً بالنسبة لى، وسوف أجتمع هذا العام كثيراً مع أصدقائى من الفرسان. أرجو أن نجتمع دائماً على الخير ونبتعد عن كل ما يفرقنا. أتمنى أن نتخلص من الإرهاب والشر وأن نقف خلف من يحمى الوطن يداً واحدة نبنى مصر.. يا رب احم مصر والمصريين.