جحش زينب

أيمن الجندي الإثنين 06-06-2016 21:11

لم يكن جلال الدين الرومى هو عالم الشريعة الوحيد الذى تعرض لانقلاب روحى بعد لقائه بدرويش صوفى. وإنما سبقه أبوحامد الغزالى (١٠٥٨ م/ ٤٥٠ هـ -١١١١م/ ٥٠٥ هـ) فى التعرض للتجربة نفسها. وكان قد ذاع صيته فى الفقه والتدريس ثم إذا به فجأة ينحى هذه الكتب جانبا، ويستغرق فى الجانب الروحى تماما.

ومثلما نُسجت الأساطير حول لقاء التبريزى بالرومى، فقد نُسجت الأساطير أيضا حول انقلاب الغزالى الروحى. تقول الأسطورة إنه كان ينكر على الدراويش أحوالهم، باستعلاء علماء الشريعة. وإذا بأحدهم يقول له: «صه يا جحش زينب».

لم يفهم أحد ماذا يعنى الصوفىّ، باستثناء الغزالى نفسه. هذا أمر لم يطّلع عليه أحد، هكذا تؤكد الأسطورة. الملاعبة التى حدثت بينه وبين زوجته زينب بالأمس، حين ركبته كما تركب الجحش وسار بها. هكذا أدرك الغزالى أنه يرى بنور الله، فصحبه وتبدلت أحواله.

■ ■ ■

وبرغم أننى أستمتع جدا بقراءة هذه المرويات كشعر وفن، فإننى أتردد كثيرا فى قبولها كحقيقة، مثلما ترددت فى قبول الرواية التى تفسر انقلاب الرومى الروحى بعد لقائه بالتبريزى. وأحب أن أوضح لأصدقائى القراء المنهج الذى أسير عليه فى قبول المرويات أو رفضها.

الإسلام، كما أحب أن أفهمه، دين عقلى لا يعتمد على المعجزات التى تخرق العادات وتغير قوانين الأشياء. وإلا لكان من أغرب الأشياء أن تُعطى هذه الخوارق للصوفية، ويُحرم منها الرسول الذى ألح عليه قومه مرارا فى طلب خارقة مادية فلم يستجب القرآن لهم (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا). الآيات.. قل سبحان ربى هل كنت إلا بشرا رسولا.

بدأ القرآن بـ«اقرأ» ليفتتح عصر الرشد العقلى. فصار الإيمان يعتمد على موافقته للعقل والمنطق، وليس بالخوارق المعجزة التى تقهر العقل على التصديق، لأنها إن حدثت فى عصر وأمن بها المعاصرون، فلن تحدث فى العصر التالى. وبالتالى لا تصلح كمُنشئ للإيمان.

■ ■ ■

لكن أتباع القرآن استملحوا حديث المعجزات والكرامات. بل فسروا به الوقائع المحرجة واستخدموه فى الدفاع عن مذاهبهم. الشيعة مثلا أحرجهم مسالمة الإمام علىّ للخلفاء بما ينسف مبدأ «النص على خلافته»، بل ينسف مذهبهم، ففسروا مسالمة الإمام علىّ بأن النبى أخبره بما سيكون بعد وفاته من اختلاف وأمره بالصبر والمسالمة. والسنّة فعلوا الشىء نفسه حين أحرجهم رفض عثمان التنازل عن الحكم (قميص ألبسنيه الله فكيف أخلعه؟) عقب الاحتجاجات على المظالم الاجتماعية فى أواخر ولايته، فاخترعوا أن النبى أخبره قبل موته بما سيكون وطلب منه عدم التنازل عن الحكم! وهكذا تُستخدم المعجزات والإنباء بالغيب لحل جميع المشاكل المحرجة وليا لعنق المنطق المستقيم.

هذه فروض كلها أرفضها.

■ ■ ■

واستطرادا للقول، فإننى لم أشعر بالارتياح قط للتوسع فيما يطلقون عليه «الإعجاز العلمى فى القرآن». لأنه اصطدم باعتماد القرآن على إعمال العقل والمنطق السديد، وليس الخوارق، فى إثبات مصدره العلوى. وليت شعرى، ما الفارق بين أن يذكر القرآن حقيقة علمية غير معروفة فى عصره وبين أن يسير القرآن الجبال كما طلب مشركو قريش؟ ما الفارق بين هذه وتلك، وكلاهما خارقة!

■ ■ ■

هذا هو المنطق الذى أسير عليه فى قبول المرويات أو رفضها. الخوارق والمعجزات لا مكان لها أصلا فى إيمانى الإسلامى. ولذلك أقول إن لدىّ تفسيرا واضحا للانقلاب الروحى للغزالى والرومى، لا علاقة له ألبتة بكرامات الدراويش، سوف أذكره غدا إن شاء الله.

aymanguindy@yahoo.com