حاورت نفسى كثيراً متسائلاً عن السبب المنطقى لعدم إضافة درجات مادة التربية الدينية للمجموع الكلى لأبنائنا الطلاب فى جميع المراحل.. ولماذا نرهق الميزانية المرهقة أصلا بطباعة الكتب، ونزيد العجز فى المدرسين عجزاً، ونشغل ذهن الطالب بمادة غير أساسية؟! ولكن كانت الإجابة دوماً تأتى صادمة وسريعة: «يا سيدى بطل نفخ فى القرب المقطوعة». والآن ومع قرار إلغاء امتحان مادة التربية الدينية للشهادة الثانوية إثر تسريب الأسئلة وجدت نفسى أمام شحنة ثلاثية مكوناتها: ما كان يجول بالعقل الباطن قديماً، والحدث المفاجئ، والتعجب الممزوج بالغيظ من القرار الثابت بعدم إضافة درجات المادة رغم أنها مادة رسوب ونجاح - دفعتنى هذه الشحنة لأن أحوم حول هذه القضية التى أشعر معها بالخذلان وفقدان الأمل فى أى جديد يخصها.
ما حدث بالأمس القريب تنبيه واضح من الخالق لما آل إليه حال طلابنا.. وهو تسريب مهم نحتاج إليه لنفيق من غفوتنا، وندرك أهمية تدريس هذه المادة واحترامها، فإذا كان تسريب أسئلة المادة مشكلة، فالمشكلة الأكبر هى دراسة الدوافع والخصال التى ساعدت على ارتكاب هذا الجرم، فقد يسرق الإنسان داخل وسائل المواصلات أو بالطريق العام ولكن السرقة داخل الحرم النبوى أوقع وأشد ضراوة.. وقد يقتل المرء شريكه أو قريباً له ولكن حينما يقتل ابنه فالألم لا ينتهى وهكذا.. المصيبة أن التسريب حدث فى بلد يدعى التدين بطبعه، فى بلد الدين لازمة أساسية فى حياته.
هذه دعوة مباشرة لنا جميعاً خاصة مسؤولينا بوزارة التربية والتعليم لإمعان النظر ودراسة هذه المشكلة دراسة متعمقة، لإحداث توازن ما بين المادة والروح، ما بين النهضة الاقتصادية والنهضة التربوية الأخلاقية، مع إدراك أنه من الدعائم الأساسية لبناء الشعوب: احترام العقيدة واللغة، فمثلاً فى ألمانيا حينما تريد الحصول على ماجستير أو دكتوراه منها، يطلب منك تحقيق بعض الشروط ومنها: إجادة اللغة الألمانية والتحدث بها وتحقيق هذا الشرط معناه نشر ثقافتهم وتقدير لغتهم، وعندنا العكس صحيح، فمدرس اللغة العربية مثلاً هو «الفقى» ويا ليتنا أدركنا حتى معنى الكلمات التى نتهكم بها، فالفقى فى لغتنا هو الفقيه العالم الفطن.
أليست إضافة درجات مادة التربية الدينية ودراسة منهجها بدقة جديرة بالاهتمام والحرص عليه.. ودعوة وتوجيه أبنائنا لفهمها والعمل بمبادئها لا يقل أهمية عن دعوتهم لحصة الرسم ليكونوا فنانين خيالهم فضفاض، والموسيقى ليكونوا مرهفى الحس مبدعين، والكمبيوتر ليواكبوا تكنولوجيا العصر، هذه بعض الاستفهامات الشعبوية البدهية البسيطة والتى لا تحتاج إلى تحليل من علماء الأزهر المعتبرين ولا من المستشرقين الغربيين الذى لطالما أوضحوا أهمية تدريس مادة التربية الدينية فى بناء جيل من الأسوياء فكرياً وخلقياً ودينياً، ومواجهة إغراءات عديدة تؤدى إلى وقوع الفرد فريسة سهلة للفكر المتطرف والهدام، وجرفه إلى مساراتها دون عناء، فهل من مجيب؟!
mogtahed44@yahoo.com