هى زينب الحسينية (الصغرى)، جدها هو الإمام الشهيد الحسين بن على بن أبى طالب، وجدتها هى قرة عين رسول الله، فاطمة الزهراء، أتت مع «جيوش النور» نحو الصعيد، فخاضت المعارك، وداوت الجرحى وطمأنت الخائف، وأغاثت الملهوف، وسارت بين الناس بسيرة جدها، دون أن «يمسها بشر»، حتى فاضت روحها مصابة بالحمى فى مدينة بنى سويف، حيث استقر جسدها حارساً لبوابة الصعيد، وجداراً يستند إليه المتعبون وذوو الحاجات.
يقع المسجد الذى يضم الضريح، فى شارع ضيق يفصله عن مطرانية الأقباط بالمحافظة، هناك حيث يصبح صحن المسجد مشكى للفقراء، ومحكى ليالى رمضان، وحلقة ذكر وقراءة أوراد وقرآن متصلة من المغرب حتى صلاة الفجر.
رغم أن المتشددين «دينيا» منعوا إقامة الموالد فى الأضرحة فى محافظة بنى سويف عقب ثورة 25 يناير إلا أن ضريح السيدة حورية بمسجدها بمدينة بنى سويف لم يستطِع أحد منع إقامة الاحتفال بموالدها بعد أن شكل الأهالى بالمنطقة «لجانا شعبية» لحماية الضريح من المتشددين دينيا والبلطجية من خلال مجلس إدارة المسجد والضريح وعلى رأسهم حسين برانى رجل أعمال، والمستشار الراحل على خلاف المشرفان على الضريح والذى يعاونهما فيه مفتى الجمهورية السابق الدكتور على جمعة لأنه من أبناء بنى سويف.
مع بداية رمضان، تتحول الساحة المواجهة لمسجد السيدة حورية إلى مائدة طعام كبيرة للفقراء وتعتبر أكبر «مائدة طعام فى بنى سويف»، حسب الأهالى، فروادها يزيدون عن 800 شخص يوميا، وأمام بوابة المسجد يوزع أهل الخير نحو 3000 «شنطة رمضان»، فضلاً عن جوائز نقدية لـ 300 من حفاظ القرآن الكريم، فحين يتم الفتى ربع القرآن أو نصفه، يصبح مؤهلاً لدخول «مسجد ستنا حورية»، ليبدأ مشواره حاملا لكتاب الله، فيحمل جائزة من إدارة المسجد، وتطلق النساء الزغاريد ابتهاجاً، باعتماد أحد أفراد الأسرة ضمن سلسلة «الحفاظ».
أمام ضريح السيد حورية، أو «عذراء بنى سويف» كما يسميها البعض، يقف المحتاجون وأصحاب المشاكل، يقرأون القرآن على روح حفيدة الحسين، ويطلبون من الله العون، ويتلمسّون من المكان وصاحبته البركة التى تمتد من «دوحة النبى» إلى من لجأوا لظلال حفيدة الحسين رضى الله عنه.
تقول أم هاشم على (50 سنة)، إحدى زائرات الضريح: «لم أستطِع تمالك نفسى أو حبس دموعى، كنت أمر بأزمة ضخمة، حيث سقطت ابنتى فريسة لمرض عضال، فأتيت إلى هذا المكان فى رمضان الماضى، ودعوت الله كثيراً أن يمنّ عليها بالشفاء، وعلينا بتفريج الكرب، والآن عرفت أن كربى انزاح وأن ابنتى استجابت للعلاج وتتماثل للشفاء، فدخلت المسجد باكية، وأطلقت زغرودة، وجئت للمقام كى أفى بنذرى».
بجوار المقام، وقفت حنان، طالبة الثانوية العامة التى قدمت من «ببا» لرحاب السيدة حورية، كانت الامتحانات قد بدأت، وأحلامها بدخول كلية الطب تلاحقها، فلم تجد باباً سوى رحاب حفيدة الحسين كى تلجأ إليه.
قبيل رمضان كان حسين برانى، مؤسس جمعية السيدة حورية الخيرية، يتحرك بسرعة حول المكان ليساعد فى ترتيب مائدة الرحمن التى يشرف عليها منذ 15 عاماً، بتبرعات أهل الخير، يرى برانى أن بركات السيدة حورية تحمى الجميع، مسملين وأقباطاً، ويشكل موقع الضريح الفريد المتاخم لمقر المطرانية: «نموذجاً للوحدة الوطنية، فالتعاون بين المطرانية والمسجد مستمر وفعال فى كافة المناسبات الدينية، سواء للمسلمين أو الأقباط».
فى منطقة الهلال بقلب مدينة بنى سويف، يقع مسجد وضريح السيدة حورية، المعروفة باسم «زينب الحسينية» أو «زينب الصغرى»، ويقول مريدو المكان وبركاته إن السيدة حورية، لقبت بهذا الاسم لبقائها بلا زواج حتى وفاتها، وكذلك لجمالها الملائكى، حيث رافقت جيوش المسلمين، وخاضت معهم معركة البهنسا الشهيرة بالمنيا، وحين أصيبت بالحمى وفاضت روحها فى طريق عودتها، دفنت فى بنى سويف، حتى قام محمد بك إسلام أحد وجهاء بنى سويف عام 1905 بالتبرع بقطعة أرض يملكها، لتصبح مقر المسجد والضريح معاً، وقام بالبناء مجموعة من المهندسين الإيطاليين، ويقول الأهالى إن البناء تم بعد «رؤيا ظهرت فيها السيدة حورية لمحمد بك وطلبت منه بناء المسجد الذى لم تشأ الأقدار أن ينتهى البناء فيه خلال حياة محمد بك، فتولى ابنه عثمان مهمة متابعة البناء حتى تمّ».
مولد السيدة حورية، كان مثار جدل ضخم مع انطلاق ثورة 25 يناير، حيث خطط بعض المتشددين لمنع الاحتفال بمولدها، فشكل الأهالى سياجاً يحمى المسجد والضريح، لمواجهة المتشددين ومن اصطحبوهم من البلطجية، فانتصرت إرادة النور على جيوش الظلام التى أرادت هدم ضريح «عذراء بنى سويف»، حامية المسلمين والأقباط.