تداولت مواقع التواصل الاجتماعى خلال الأيام الأخيرة واقعتين، أراهما على قدر كبير من الأهمية، وخاصة فى مثل هذه الظروف الاقتصادية والاجتماعية التى يمر بها مجتمعنا من جهة، ومن جهة أخرى مع اقتراب شهر رمضان المبارك، أعاده الله على الجميع بالخير واليُمن والبركات.
الأولى كانت لافتة وضعها أحد مُلاك العمارات فى مدخل عقار بمدينة ٦ أكتوبر، جاء بها تخفيض إيجار الوحدات السكنية، الشهر المقبل، بنسبة ٥٠٪ بمناسبة شهر رمضان المبارك، العمارة يقطنها أغلبية من الأشقاء السوريين، حسبما جاء بالتعليقات، وقد نالت ما نالت من الثناء والإشادة.
كما تداولت المواقع أيضاً أكثر من حالة من بين المشردين بالشوارع، وقد بدا عليهم علامات الهُزال وتراكم الجراثيم والحشرات، نتيجة المبيت بالشوارع، وعدم النظافة أو الاستحمام لشهور طويلة، وربما سنوات، تطوّع عدد من الشباب بعملية تنظيفهم وتهذيبهم وإهدائهم ما تيسر من ملابس وعلاجهم، والبحث عن ذويهم، فى بادرة كانت الأكثر فخراً لشباب مصر، إن هى أصبحت ظاهرة، وبصفة خاصة مع قدوم الشهر الكريم.
هذه اللافتة الخاصة بعمارة ٦ أكتوبر، أو تلك المبادرة، دللت على أن الخير سوف يظل موجوداً إلى يوم القيامة، مهما كان صوت الباطل عالياً، أو مهما كان الشر هو الأكثر وضوحاً بيننا، للأسف هناك البعض بيننا يعتبرونها فرصة لرفع أسعار السلع، هناك بيننا من يفتعل سوقاً سوداء لأى شىء وكل شىء، إلا أنه فى الوقت نفسه هناك من يقيم موائد الرحمٰن لإفطار الصائمين على امتداد الشهر الكريم، هناك من يتصدّق سراً وجهراً، هناك من يحرص على صلة الرحم، هناك من يرون فى الشهر الكريم فرصة لطلب المغفرة والتقرب إلى الله.
أعتقد أنها الغالبية العظمى فى المجتمع، تلك التى تأبى الحرام، أو تلك التى لا تقبل الظلم، أو تلك التى تأمل فى رحمة الله، إلا أننا اعتدنا دائماً وأبداً التركيز على الجريمة، سواء بالنشر فى وسائل الإعلام، أو بالتركيز وتسليط الأضواء طوال الوقت على من عاثوا فى الأرض فساداً، كان التركيز كبيراً على أخبار القضايا فى المحاكم طوال السنوات الخمس الماضية، على أوامر الحبس والاعتقال، على المهربين والمخربين، النماذج المضيئة فى طَى النسيان والتجاهل، هكذا اعتدنا، وهكذا نحن مستمرون.
أتصور أن نموذج مالك العقار هذا كان يجب أن يكون محل اهتمام الصحف والقنوات التليفزيونية، بدلاً من ذلك العفَن الذى يقُض مضاجعنا كل مساء، هذا النموذج هو الذى يستحق التكريم والإشادة، وإفراد مساحات واسعة للنشر والبث لأمثاله من نماذج كثيرة تعيش بيننا بالفعل، بهدف تحفيز الناس على مثل ذلك السلوك، الذى ينشر الفضيلة فى المجتمع.
كما أتصور أن سلوك ذلك الشباب مع المشردين، كان يجب أن ينال اهتماماً إعلامياً واسعاً أيضاً، بل آمل أن يجد دعماً من أهل الخير بصفة عامة، وما أكثرهم، قد تتبنى بعض الشركات أو المؤسسات هذا الاتجاه، وقد يتبناه بعض الأفراد، وقد تتبناه الجمعيات الخيرية، وقد تجد فيه الدولة الرسمية حلاً للأزمة، بالتعامل مع كل حالة على حدة، بدلاً من القبض عليهم واعتقالهم فى حملات دورية، ثم الإفراج عنهم بعد بضعة أيام، دون سبب مقبول لا للاعتقال ولا للإفراج.
على أى حال، نحن أمام رسالتين على قدر كبير من الأهمية، الأولى من أصحاب العقارات وأصحاب المال بصفة عامة، والأخرى من شباب مازال ينبض خيراً، يتنفس حُباً للوطن، رغم إمكانياته المادية التى قد تكون ضعيفة، ربما تشكل الرسالتان البداية لصفحة جديدة من الجهد الشعبى فى هذا الاتجاه، الذى يمكن أن يساهم فى حل أزمات كثيرة فى المجتمع، وبصفة خاصة فيما يتعلق بالفقراء، على امتداد المحافظات المختلفة، وأيضاً فيما يتعلق بالأشقاء السوريين الذين جار عليهم الزمن، دون ذنب فعلوه، إلا أنها المخططات العربية الدنيئة، والأجنبية القذرة فى آن واحد.
بالتأكيد لو أن مثل هؤلاء الشبان قرروا فتح حساب ما بأحد البنوك، للتعامل مع مثل حالات الشوارع، أو أنهم تلقوا تبرعات بشأنها، فسوف يصبحون عُرضة لكثير من المشاكل، قد يكون الحبس من بينها، نظراً للقوانين المعمول بها فى هذا الشأن، لذا فإن النصيحة التى يمكن تقديمها فى مثل هذه الحالة، هى أن تقوم كل مجموعة فى موقعها، إن بالمدينة أو القرية أو الحى، بمثل ذلك النشاط بطريقتهم الخاصة، وبإمكانياتهم المتواضعة، أما نموذج مالك عقار أكتوبر فهو أيضاً يجب أن يمثل رسالة، ليس لمُلاك العقارات فقط، وإنما للآخرين أيضاً من التجار، وفى الحالتين هما رسالة إلى حكومة شريف إسماعيل مؤداها: ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء، ننتظر منكم أن تحنوا على الشعب خلال الشهر الكريم، على الأقل، وأن تحذو حكومتكم حذو الجهود الشعبية.