التعلم عبر الحدود وإتاحة التعليم العالى بعصر المعرفة

معتز خورشيد الأحد 05-06-2016 21:14

يشهد مناخ التعليم العالى فى العصر المعرفى بالألفية الثالثة تغيرات غير مسبوقة تتمثل فى تزايد الحراك الأكاديمى للطلاب والأساتذة والبرامج التعليمية عبر الحدود بفعل تنامى ظاهرة العولمة، وتنوع أنماط وأساليب وتكنولوجيات التدريس والتعلُم، وتبنى سياسات للتعلم مدى الحياة والتعليم المستمر، وتطبيق استراتيجيات حديثة لتدويل التعليم العالى والبحث العلمى، ووجود توقعات راسخة بمزيد من الشفافية وآليات أكثر حداثة لضمان الجودة والاعتماد، وتعدد الهياكل المؤسسية والبرامج الأكاديمية للجامعات وسياسات حوكمتها، وزيادة الضغوط على مؤسسات التعليم العالى لتنويع مصادر تمويلها وضمان استدامتها المالية. وقد تطلبت هذه التغيرات غير المسبوقة إعادة النظر فى الاستراتيجيات والتوجهات المستقبلية لتعزيز قدرات التعليم العالى وفقًا لمعايير متعددة مثل الجودة والإتاحة والفاعلية والحوكمة والتدويل واستدامة التعلم والاستخدام الأمثل للموارد المالية.

وقد واكب الخصائص السابقة منذ بداية الألفية الثالثة تعاظم فى معدلات الطلب على خدمات التعليم العالى، ومن ثم حدوث طفرة كمية فى معدلات الالتحاق به. بيد أن هذا التوسع فى أعداد طلاب المرحلة الجامعية لم يصاحبه - فى الدول النامية- توسع مماثل فى الطاقة الاستيعابية لمؤسساتها بفعل تراجع الاستثمارات والمخصصات المالية الموجهة للتعليم. وقد ساهم التراجع فى الإنفاق على التعليم العام فى قصور الإمكانات الأكاديمية والبحثية ونقص الكوادر البشرية عالية الكفاءة وتقادم البنية التحتية للتعليم العالى بوجه عام.

وفى ظل هذا القصور فى الطاقة الاستيعابية للتعليم العالى تبنى العديد من الدول استراتيجية رامية إلى إنشاء جامعات خاصة وأهلية ومعاهد أكاديمية لسد الفجوة فى الطلب على خدمات التعليم العالى. وباستثناء بعض الدول المتقدمة التى نجحت حتى الآن فى الحفاظ على التعليم العالى كخدمة يقتصر تقديمها أساسا على الحكومة، (مثل فنلندا وألمانيا وفرنسا)، فإن معظم الدول الأخرى لجأ إلى التوسع فى الطاقة الاستيعابية من خلال إنشاء مؤسسات خاصة وأهلية أو تقديم برامج أكاديمية جديدة برسوم دراسية.

وقد تواكبت التغيرات السابقة فى مناخ التعليم العالى مع انتقال الدول والمجتمعات إلى العصر المعرفى، وما صاحبه من تطوير لاستراتيجيات وطنية وإقليمية فى مجالات التعلم مدى الحياة والتعلم المستمر، بُغية تنمية قدرات الخريج الجامعى وإكسابه المهارات التى تتطلبها أسواق العمل الديناميكية بالألفية الثالثة، وحدوث توسع كبير فى تبنى الجامعات لاستراتيجية تدويل التعليم العالى والبحث العلمى، فضلاً عن انعكاسات ظاهرة العولمة على الحراك الأكاديمى للأساتذة والطلاب والبرامج الأكاديمية.

وقد أفرزت التغيرات السابقة غير المسبوقة فى مناخ التعليم العالى وبنيته الأساسية والطلب على خدماته توجهًا متزايدًا لتوفير خدمات التعليم العالى عبر الحدود وبين الدول، بُغية دعم الحكومات الوطنية من أجل استكمال معدلات إتاحتها للتعليم وتوفير البرامج والمقررات الدراسية اللازمة فى هذا المجال. وفى هذا السياق تأسس نظام التعليم عبر الحدود (Cross Border Education) الذى يُعرّف بجميع أنواع الخدمات التعليمية التى تتم فى دولة ما، غير الدولة المنظمة للبرنامج الدراسى والمانحة لدرجاته العلمية. أى أن الطالب- وفق نظام التعليم عبر الحدود- يقوم بالدراسة فى إحدى الدول وفق برامج ونظم تعليمية تخص دولة أخرى.

وقد قامت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) والاتحاد الدولى للجامعات (IAU) بصياغة الدلائل التفسيرية للتعلم عبر الحدود ولوائحه التنظيمية وآليات تطبيقه، بما يضمن جودة أداء واعتماد درجاته العلمية على المستوى العالمى.

وفى هذا الإطار حددت منظمة التجارة العالمية قواعد التجارة فى الخدمات التعليمية على النحو التالى:

1- عرض الخدمات التعليمية عبر الحدود (Cross Border Education)، بما يعنى تقديم خدمة عابرة للحدود دون الحاجة إلى انتقال مستهلك الخدمة (أو الطالب) من مقره أو مكان تواجده. وهى خدمة من الممكن أن تتحقق من خلال الآليات التالية:

■ حصول الطالب على الخدمة التعليمية عن بُعد بالاعتماد على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، فى إطار الشبكة العنكبوتية للمعلومات وأساليب التعلُم الإلكترونى.

■ تنظيم العملية التعليمية بالكامل فى دولة مقر الطالب من خلال أسلوب «التعلُم المدمج»، وبالاعتماد على أساتذة من دولة المقر لتدريس المقررات العلمية المُعدّة من قبِل الجامعة بالدولة المانحة للدرجة الأكاديمية وتحت إشرافها العلمى.

2- استهلاك الخدمة التعليمية عبر الحدود (consumption abroad)، بما يعنى انتقال مستهلك الخدمة التعليمية (أو الطالب) إلى الدولة المُنظمة للعملية التعليمية والمانحة للدرجة العلمية.

3- التواجد التجارى (Commercial Presence)، بمعنى انتقال المؤسسة التعليمية المُقدّمة للخدمة- أو أحد فروعها- إلى دولة أخرى لتقديم خدمة التعليم العالى.

وفى ظل ما تشهده منظومة التعليم العالى المصرية من تكدس فى أعداد طلابها، وقصور فى إمكاناتها التعليمية والبحثية ونقص فى كوادرها البشرية المُتخصصة، هل يمكن اعتماد نظام التعليم عبر الحدود كإحدى السياسات الرامية إلى استكمال الطاقة الاستيعابية لمؤسساتها وبرامجها الأكاديمية، أو دعم انفتاح جامعاتها على العالم الخارجى بالاعتماد على مراكز التعليم المفتوح كإطار مؤسسى حاضن له؟.

وزير التعليم العالى

والدولة للبحث العلمى الأسبق

أستاذ بجامعة القاهرة