رمضان كريم

أيمن الجندي الأحد 05-06-2016 21:13

كل عام وأنتم طيبون

معظمكم يتساءل اليوم: جاء رمضان فماذا نعد له؟ فى اعتقادى أن أعظم ما نستقبل به رمضان هو أن نحب الله.

ولكى نحب الله عز جل فإننا يجب أن نعرفه. ومعرفته سبحانه وتعالى تأتى من التأمل فى روعة خلقه وإحكام صنعته. ولا ينبغى أن تصدنا ذنوبنا عنه، فنحن أذنبنا ونذنب وسنظل نذنب لا محالة. وأنا أزعم أننى أحب الله تعالى حبا شديدا، وأراه فى كل شىء، وأفكر فيه فى كل وقت. وإن كانت أفعالى أبعد ما تكون عن الاستقامة. لا أدرى بالضبط ما سر هذا التناقض! ربما تكون شهوات الجسد التى تعكر صفاء روحى، وربما لأننى لا أستطيع دفع الأثمان الباهظة الناتجة عن التقوى. أو لأننى أؤثر الراحة.

وربما أيضا تكون كل هذه التفسيرات خاطئة، ويكون هناك تفسير آخر، لكن هذا لا يمس جوهر الحقيقة: إننى أحب خالقى حبا شديدا وإن كنت أبعد ما أكون عن التقوى والاستقامة.

■ ■ ■

الله ليس غائبا لأبحث عنه. الله هو الذى يحرك أصابعى الآن ويجرى دموعى وأنا أفكر فيه. الله خالق مائة مليار مجرة، وخالق الإلكترون والذرة. وفى نفس هذه اللحظة، التى تقرأون فيها مقالى، يولد مليون نجم، ويموت مليون نجم، وتتشكل مجرات، ويشق شهاب مضىء سماء كوكب يقع فى أبعد مجرة، لم تقع عليها عين إنسان قط.

فى اللحظة نفسها التى تقرأون فيها هذا المقال تسبح أسماك وتهاجر طيور ويزأر أسود ويصدح كروان ويغرد بلبل وتتساقط أوراق أشجار، وتُولد شجرة صغيرة من ثمرة صغيرة أسقطتها الريح فى دغل كثيف، سألتها التربة: «هل تحبين الله؟» فأجابتها الثمرة بالدموع والزغاريد.

■ ■ ■

الله. فى اللحظة نفسها التى تقرأون فيها هذا المقال، يصدر الأمر الإلهى لغدد الجهاز الهضمى فى كل مخلوق أن تفرز الانزيمات. وهذا الطعام الذى نأكله ونتلذذ به يتحلل إلى نشويات ودهون وبروتينيات، يتعامل معها الجهاز الهضمى فى همة. ليتحول إلى جزيئات بسيطة، سهلة التناول، تمد خلايا جسد كل مخلوق بالطاقة اللازمة لاستمرار الحياة.

من عزف هذه السيمفونية؟ إنه الله.

■ ■ ■

حب الله فطرة مركبة فينا كما الشهيق والزفير. يحاول المحبون أن يدربوا نفوسهم على ذكره سبحانه مع كل نفس، حتى يصبح ذكر الله طبيعة ثانية عندهم، لا علاقة لها بإرادتهم أو توجه عزمهم. شهيق. الله. زفير. الله. شهيق زفير. الله الله.

ما أعظمه! وما أرأفه بنا وأعطفه علينا! ألم تر إلى الوليد، الذى هو ليس أكثر من مضغة لحم لا يدرك شيئا، يحرك شفتيه بطريقة مضحكة بمجرد أن تضع بينهما أصبعك، باحثا عن حلمة ثدى أمه لينسكب منه الحليب. من علمه كيف يرضع؟ من جعل جسد الأنثى يفرز الحليب بعد الولادة؟ هل فكرت من قبل فى هذه الأعجوبة؟ أنت أيها الرجل هل تتخيل أن تتحول إلى مصنع منتج للبن؟ من خلق هذه المعجزة؟ الله.

■ ■ ■

الله أعظم مما نتخيل. وأكبر مما يصوره لنا الدعاة. الله ليس معلما غاضبا يترصد أخطاءنا ليعاقبنا على الفور. الله أكبر من هذا وأعظم. هو يعلم أننا لا نعجزه هربا. ولا مفر لنا منه إلا إليه. خالق الدنيا وخالق الآخرة. منه وإليه. والبدء والختام.

تعالوا نجرب أن نحب الله.