زينب مقصوفة الرقبة

أحمد الشهاوي السبت 04-06-2016 21:51

ربما من أسوأ الأفعال فى اللغة العربية: يُقال، ويُشاع، ويتردَّد، وعلمتُ، وسمعتُ،وأظنُّ، وقِيل لى، ويُحتمل، ويجوز، قد قبل الفعل المُضارع، يمكن، إلى آخره من الأفعال التى تفيد التشكُّك والاحتمال والظن، لأنها مُهلِكة وقاتلة، وتُصدر أحكامًا جائرة ظالمة، فمثلا زينب ابنة الشيخ البكرى قُصفت رقبتها، (ومن هنا جاءت تسمية مقصوفة الرقبة)، بسبب الشائعات والأقاويل والشكوك حولها، فمن قائلٍ إن أباها أهداها إلى نابليون بونابرت، وعاشرته ليلةً بعلم من أبيها، وتحت بصره، وأنها كانت تتسلَّل إلى فراشه، وهو يبادلها الزيارات متحجِّجًا أنه ذاهبٌ إلى والدها، ومن قائلٍ إنها كانت سافرةً، ومن قائلٍ إنها كانت تخالط القادة العسكريين من الفرنسيين، لكن ما من خبرٍ يقينٍ، حتى إن المؤرِّخ عبدالرحمن الجبرتى لم تكن روايته عنها دقيقة وتقطع بأنها غانية أو لعوب، أو مومس، ومما كتبه عنها الجبرتى أنها كانت (تلبس الفستانات وتسير مكشوفةً بين الناس، وبمجرَّد خروج آخر جندى فرنسى فتك بها المصريون فى محاكمة علنية وعقابٍ جماعى).

وفى الرابع والعشرين من ربيع الأول سنة 1216 هجرية، الموافق الرابع من أغسطس سنة 1801 ميلادية قُتلت زينب.

حيثُ طُلِبَت ابنة الشيخ خليل البكرى الصديقى، نقيب الأشراف وشيخ السادة البكرية، وهى من عائلة تنتسب إلى أبى بكر الصديق، وكانت طويلة القامة، ليست ممتلئة الوزن كعادة النساء فى ذلك الزمان، وممن تبرَّج مع الفرنسيس بمعينين من طرف الوزير، فحضروا إلى دار أمها بالجودرية بعد المغرب وأحضروها ووالدها فسألوها عما كانت تفعله فقالت: إنَّنى تُبتُ من ذلك، فقالوا لوالدها: ما تقول أنت فقال: أقول إنَّنى برىء منها فكسروا رقبتها».

إنها مكائد الشيوخ التى تتالت ضد والدها الذى عين نقيبا للأشراف خلفا لأخيه الذى مات، ورأى الشيوخ أنه لا يصلح لمنصبٍ كهذا، فكادوا له، وردَّدوا أنَّ نابليون على علاقة بابنة الشيخ، ونُسجت قصصٌ وحكايات، راحت ضحيتها صبية لم تدخل عامها السادس عشر بعد، تجهل الكثير عن الحب والغرام والعشق، بحكم تربيتها، وانتمائها إلى عائلةٍ كبيرة، وبحكم تقاليد وعادات ذلك الزمان، ثم صغر السن.

ومكائد الشيوخ لمن علا مقامه، وارتفعت مكانته الفقهية والروحية، أو عُين فى منصبٍ، منتشرة فى التاريخ الإسلامى، وكلها أدت ليس فقط إلى العزل، ولكن تراوحت بين القتل وقطع الأعضاء والنفى والإقصاء وحرق الكتب وطرائق وأساليب أخرى كثيرة امتلأت بها كتب التراث، لكن اتهام ابنة الشيخ أو زوجته أو أمه فى شرفها بغية الانتقام من الشيخ موجود أيضا، ولكن ليس بالكثرة التى تشكِّل ظاهرة.

وفى المكيدة بالشيخ أو بالفقيه أو بغيره من المتصوفة والعلماء والشعراء احتيالٌ ومكرٌ وخديعةٌ وكذبٌ ومحاربة وأذى وشر، والكائدون عادة - كما يقول لنا التاريخ- يرتد كيدهم إلى نحورهم، حيث دائما ما نرى المكيد له هو ما يبقى ذكره وعلمه وآثاره، وتنتشر سيرته ومنجزه، بينما الكائد ملفوظ من الناس، والتاريخ الذى لا يرحم أحدًا.

وكتب التراث ملأى بتعبيرات من عينة: (وظل يكيد له إلى أن ظفر به ونكل به، فظل يكيد له، وينصب له الشباك للإيقاع به، ويلفق له التهم، وكان يُظهر هذا الحقد حينًا ويُخفيه حينًا آخر، وظل يكيد له ويحاربه، وأخذ الوزير الأول يكيد عند الخليفة لأبى حنيفة،....).

ويمتلئ التاريخ الإسلامى بحوادث تجلُّ عن الوصف فى الاعتداء على النساء، والتنكيل بهن، وليس- فقط- تجريد من نختلف معهن فى الديانة من ملابسهن وتعريتهن أمام الخلق من الغرباء والأهل، وكلنا يعرف أن عملية تجريد النساء من ملابسهن تُعدُّ إحدى المهن، التى تحترفها نساء فى الأحياء الشعبية بمصر، وتجريد النساء طريقة متبعة للإذلال فى كل مكان، خُصوصًا فى بلاد الشرق، وأفريقيا وآسيا- مثلا- ليستا بعيدتين عن هذا الأسلوب، بل هناك من ينعم فى الإذلال بأن يُركِب المرأة حمارًا ويطوف بها فى قريتها أولا وأمام أهلها وجيرانها، ثم بعد ذلك يطوف بها فى القرى المجاورة.

ومن الأساليب الوحشية البربرية التى وردت فى التاريخ الذى نحمله على ظهورنا ونخجل مما فيه من الحوادث، وفيه ما فيه مما نرى من حوادث مشابهة فى زماننا، ما هو إلا استنساخ وتكرار لما فات: طعن المرأة بالحربة فى فرجها، وكوى فروج النساء بالنار، وافتضاض الأبكار وافتراش النساء فى المساجد، وكان الملك الناصر محمد بن قايتباى (القاهرة، 1482- القاهرة، 29 من ديسمبر 1498)، يتفنَّن فى تعذيب النساء، بأن يقطع حاشية أعضائهن، وينظمها فى خيط أعده لذلك، وأهديت له جارية فسلخها بيده وحشا جلدها تبناً ليظهر أستاذيته فى السلخ، ومن ضمن وسائل تعذيب النساء بيع الحرائر فى الأسواق بأبخس وأوكس الأثمان (بيعت والدة الأمير على جانبولاد والى حلب بثلاثين قرشا سنة 1016)، والمناداة عليهن لفضحهن، وكشف وجوههن ورؤوسهن، وتقليبهن كأنهن إماء.

كما أننا نجد الخليفة العباسى الشاب محمد بن المعتضد الذى تولى الخلافة بعد أخيه المقتدر، والملقَّب بـ«القاهر» يضرب أمه أشد ما يكون من الضرب، وعلقها برجلها وضرب المواضع الغامضة من بدنها، حتى ماتت بعد أيام من ضرب ابنها لها، وقد قال عنه الصولى «كان أهوج، سفاكا للدماء، قبيح السيرة، كثير التلون والاستحالة»، وقد سملت عيناه فى سنة 322 هـجرية ومات فى سنة 339 هجرية.

وفى سنة 781 هجرية ضُربت امرأة ستمائة ضربة بالعصا (وهذا ليس من الإسلام فى شىء، لأنها لم ترتكب خطيئة)، وسُمِّرت على جمل وشُهِّرَ بها، وكانت يداهما مُسمَّرتين على خشبٍ، ولم يعهد حتى ذلك الزمان أن سُمِّرت امرأة على جمل، أما الملك المنصور الحاجى (المتوفى سنة ثمانمائة) إذا ضَرب جارية تجاوز عدد ضرباته رقم الخمسمائة، وكان معاوية بن أبى سفيان يحبس النساء لينتقم من أزواجهن، وغيره اعتمد أسلوب نفى النساء من ديارهن، وهناك من كان يُعذِّب النساء بتقطيع أطرافهن، وقطع الألسنة، وجدع الأنوف، وسمل الأعين.

ومن مصيبات الدهر فى التاريخ الإسلامى تعذيب النساء بالحرق، أو إدخالهن حمَّامًا، وسده عليهن حتى الموت فيه، أو تغريقهن

فى الماء، وكوى فروج النساء، وشى وجوههن فى النار، حتى يهلكن، وكيِّهن بالأسياخ المحميَّة.

هل سمعتم أن الرجال كانوا يقتلون النساء؟

سؤال طرحته بنانة بنت أبى يزيد بن عاصم الأزدى، نعم بعض أهل الإسلام مارسوا قتل النساء دون جريرة، بل إن إحداهن قالت: (إنما أنا جارية والله ما أتيت فاحشة قط ولا آذيت جارةً لى، ولا تشرَّفتُ، ولا تطلعتُ...)، فقطَّعوها بأسيافهم.

ahmad_shahawy@hotmail.com