سورة المطففين فى القرآن الكريم ليست سورة خاصة بالميزان فى قضايا البيع والشراء فقط، ولكنها تخص كل قضية يكون الميزان فيها هو الفيصل بين الحق والباطل. بين العدل والظلم. هكذا أفهم السورة كما ينبغى لكل مسلم حقيقى أن يفهمها. فلا يتصور أحدكم أن ميزان البيع والشراء أهم لدى رب العالمين من ميزان العدالة والقضاء. ليخصص له سورة. فميزان القضاء هو الأحق بالاهتمام والخطورة من رب العزة. يقول سبحانه: «وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ. الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ. وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ». نحن نلوم على الدول الغربية أنها تكيل بمكيالين. أو تزن بميزانين انحيازاً لإسرائيل- مثلاً- على حساب العرب. بينما نحن الأولى باللوم من غيرنا لأن القرآن نزل علينا ولنا. ولا يحيط بآياته هؤلاء. فكنا الأولى بالحرص على الالتزام بآياته وعدم الكيل بمكيالين أو الوزن بميزانين، خاصة فى مجال القضاء والعدالة، ليصبح الشباب الذين تظاهروا سلمياً رافعين علم مصر رفضاً للتنازل عن تيران وصنافير مجرمين. بينما من تظاهر ضدهم رافعين علم السعودية وطنيون وأبرياء. رغم أن الجماعتين ارتكبتا نفس الفعل خروجاً على قانون التظاهر. هكذا سمح قضاتنا لأنفسهم بالكيل بمكيالين، فاستوفوا الوزن مع شباب الوطن وخسروا الميزان مع شباب السعودية من المصريين!
ليس ذلك فقط، بل تقاعست يد الشرطة عن الإمساك بأحمد موسى وسعيد حساسين ومرتضى منصور رغم صدور أحكام قضائية شبه نهائية ضدهم. بينما سعت بكل جدية للقبض على اثنين من الصحفيين بالمخالفة لقانون النقابة، رغم أنهم مجرد متهمين والمتهم برىء حتى تثبت إدانته، كما هو معروف دستوراً وقانوناً. هكذا أصبح المدان حراً طليقاً، والبرىء مداناً قبل المثول أمام قاضيه. لقد أصبح التطفف ظاهرة قضائية عندنا، ولم يعد مسألة خاصة بقضايا البيع والشراء. ويمكنك أن تعثر على مائة دليل على ذلك، دون دليل واحد- إلا فيما ندر- على حيدة قضائنا إزاء الكثير من قضايا الخلاف بين نظام الحكم ومعارضيه. فالموالون للنظام من التبع أبرياء و«مواطنون شرفاء» مهما ارتكبوا من مخالفات ترقى إلى مستوى الجرائم. بينما المعارضون مدانون حتى قبل مثولهم أمام القضاء. والغريب أن يُوجه الاتهام لنقيب الصحفيين بالتستر وإيواء هاربين من العدالة، بينما تعتبر الحكومة هى أكبر متستر على جرائم الفساد والفاسدين وتحصينهم بالقانون، وقبولها مبدأ اقتسام المسروقات معهم، والسكوت على أوكار الفسدة فى الدواوين والمصالح الحكومية، وتهدد بالحبس كل من يهتك سترهم أو يكشف سرهم، كما حدث مع المستشار هشام جنينة الذى اتهموه بتكدير السلم العام، وكأن السلم العام فى عُرف الحكومة ودستورها لا يتحقق إلا بالسكوت عن الفساد والتستر عليه. أما أخبار الفساد فهى مجرد نشر أخبار كاذبة!