إذا جاء قلم أمين مع نفسه ومع الناس، وقرر يوماً أن يكتب ما كان قبل 25 يناير 2011، فسوف يكتب عن قصة كانت بين الدكتور حسام بدراوى، من ناحية، ورئاسة الجمهورية فى ذلك الوقت، من ناحية أخرى!
كان الدكتور حسام وقتها يقاتل من أجل إنشاء هيئة فى مصر، اسمها «هيئة ضمان الجودة والاعتماد»، وكان يأخذها حين أخذها عن دول أخذت بها منذ وقت مبكر، فكان لها مكان، ثم مكانة، بين الأمم!
وكان وهو يؤسس لها فى بلده، يعرف أنه لا يكفى أبداً أن تقول، كحكومة، إن عندك تعليماً فى مدارسك، وفى جامعاتك، بافتراض وجوده فيها أصلاً، وإنما لابد من هيئة «مستقلة» تعرفها كل الدول المتطورة، ولا يختلف اسمها من بلد لآخر، لأن الاسم واحد فى كل الأحوال، وفى كل البلاد، وهو: هيئة ضمان الجودة والاعتماد!.. والمعنى أنها تقوم لتضمن جودة التعليم فى مراحله المختلفة، ولا تعتمده إلا إذا كان جيداً.
وعندما كنت فى بولندا، فى مارس الماضى، سألت عنها، وعرفت أنها موجودة منذ زمن، وأنها فاعلة، وأن وجودها كان له دور مهم فى أن تنتقل بولندا من دولة كانت ضائعة بين دول أوروبا الشرقية فيما قبل 1989، إلى دولة تكاد تقف هذه الأيام مع ألمانيا رأساً برأس!
وربما تكون أنت قد لاحظت أنى وضعت كلمة مستقلة بين قوسين، أو بين هلالين كما يقول إخوتنا فى الشام، وقد كنت أقصدها تماماً، لأن استقلال مثل هذه الهيئة، فى أى بلد، هو أساس تأثيرها، وهو الذى يحدد ما إذا كان وجودها شكلياً شأن أشياء كثيرة عندنا أم أنه وجود فاعل!
وكانت القصة بين الدكتور حسام والرئاسة فى ذلك الحين، أنه كان يريدها هيئة قوية، مثل سائر هيئات خلق الله، فى بلاد الله، وكان يرى أن أساس قوتها هو استقلالها عن أى جهة حكومية، وأن تكون تابعة للرئاسة بشكل مباشر، وأن تصارح رأس الدولة، فى كل لحظة بحقيقة الموقع الذى يقف فيه التعليم فى البلد.. وهى، كهيئة، لن يكون فى مقدورها أن تصارح الرئيس إلا إذا كانت مستقلة فعلاً، لا قولاً، وإلا إذا كانت، وهى تصارحه، تعرف عن يقين أنها فوق الحكومة نفسها، وأن وجودها فوق الحكومة، ليس عن تقليل من شأن الحكومة، ولكن بغرض أن تكون قادرة على أن تؤدى مهمتها على نحو ما تفعل مثيلاتها من هيئات الجودة فى العالم!
وما حدث أنها انتهت تابعة لرئيس الحكومة، ثم ما حدث عملياً أن رئيس الحكومة تنازل عن تبعيتها له إلى الوزير المختص، الذى هو وزير التعليم، فأصبح، كوزير، هو الخصم وهو الحَكَم، إذا ما تعلق الأمر بالتعليم عندنا، ثم تعلق أكثر بمدى جودته!
تلك قصة عمرها من عمر 25 يناير، وفيما بعد هذا التاريخ تاهت الهيئة، ولم يعد أحد يعرف أين هى، ولا لمن تتبع، ولا ماذا تفعل، وإذا ما تاهت هيئة من هذا النوع فاعلم أن البلد نفسه تائه!