التخيُّل فى شبه الدولة

عبد الناصر سلامة الخميس 02-06-2016 21:46

على مدى 14 عاماً، تطلق شركة مايكروسوفت العالمية مسابقة سنوية، تحت عنوان (التخيُّل)، يشارك فيها شباب جامعات العالم، من شرقه وغربه، شماله وجنوبه، كل القارات، كما كل البلدان، يتقدمون بإبداعاتهم فى مجالات كثيرة، من بينها الابتكار، الألعاب، المواطنة، التصفيات تبدأ إقليمية على مستوى المناطق والقارات، الأسبوع الماضى استضافت مصر تصفيات الدول العربية هذا العام، بمشاركة ١٣ دولة، فاز شباب الشقيقة تونس بجائزتين، وشباب الشقيقة البحرين بجائزة، تمهيداً للتصفيات النهائية فى سياتل بالولايات المتحدة الأمريكية، خلال شهر يوليو المقبل، ولا عزاء لشباب مصر.

الغريب فى الأمر أن مصر كانت قد وصلت إلى التصفيات النهائية، خلال الأعوام الـ١٢ الأولى من عُمر المسابقة، حتى إنها قد حصلت على جوائز بالتصفيات النهائية فى بعض الأحيان، إلا أن شباب مصر لم يحقق هذا العام ولا العام الماضى أى نتائج إيجابية تؤهله حتى للتصفيات، فى إشارة بالغة الدلالة على أن هناك شيئاً ما خطأ.

تواصلتُ مع أحد المتابعين أو المهتمين بهذه المسابقة، فكان رده قاطعاً بأن هذا أمر طبيعى، فى ظل الظروف التى تمر بها البلاد، ذلك لأننا نتعامل مع قضايا الشباب بالشعارات، إلا أن الأمر مختلف على أرض الواقع، الشباب لا يجد اهتماماً من أى نوع، لا يجد دعماً مادياً ولا معنوياً، ويكفى أن السجون أصبحت متخمة بالشباب، لسبب ودون سبب.

وأضاف قائلاً: لو أنك تابعت مسار المسابقة على الطبيعة، لأدركت الفارق الكبير جداً بين فهم الدول الأخرى لمعنى الاهتمام بالشباب، وفهمنا نحن، بما فيها الدول العربية التى وصلت إلى التصفيات النهائية تحديداً، وهى تونس والبحرين، الاهتمام هناك على المستوى الرسمى بدا واضحاً جداً، من خلال طبيعة الوفود المشاركة، من خلال الإنفاق الرسمى على تجارب الشباب، من خلال متابعتهم ومساعدتهم فى ابتكاراتهم، ومشروعاتهم التخيلية.

الأمر لدينا أيضاً بدا مختلفاً من كل الوجوه، فنحن أمام مجهود فردى، لكل شاب على حدة، إنفاق على المشروعات من خلال المصروف اليومى لكل شاب، ليست هناك الجهة التى تقدم المساعدة الفنية، أو حتى المشورة، لا يوجد حتى الدعم المعنوى، هناك إحباط عام فى أوساط الشباب المشاركين، هناك مشاكل اجتماعية، هناك أزمات مادية، ناهيك عن الأجواء العامة السائدة فى المجتمع، التى تصب جميعها فى الإصابة بالاكتئاب، أو على أقل تقدير اختفاء عوامل التحفيز على التخيل والابتكار.

نتيجة مسابقة مايكروسوفت هذا العام، والإخفاق الكبير الذى جاءت به النتائج، على الرغم من استضافة مصر للمسابقة، وما يمثله ذلك فى حد ذاته من تحفيز للمشاركين، كنت أتصور أن الأمر يستدعى اجتماعاً على مستوى عالٍ لمناقشته، كنت أتصور أن الخبر سوف يتصدر نشرات وصفحات وسائل الإعلام لإلقاء الضوء على ذلك التراجع الكبير، بهدف تحديد المسؤولية، ووضع استراتيجية للمستقبل فى هذا الشأن، كنت أتصور أن المسؤولين عن البحث العلمى فى بلادنا سوف ينتفضون، أن المجلس الأعلى للجامعات سوف يعقد اجتماعاً طارئاً، أن رئيس الوزراء سوف يشكل لجنة لكتابة تقرير فى هذا الشأن، أن طلب إحاطة بالبرلمان سوف يُصر على تحديد المسؤولية.

للأسف، الواقعة مرّت كغيرها مرور الكرام، أو بمعنى أدق، مرور المتخاذلين، هكذا اعتدنا، وهكذا تعودنا، اعتماداً على نعمة النسيان، كالطائرة التى سقطت، كالحرائق التى اشتعلت، كالقروض الكارثية دون أسباب مقنعة، كالجنيه الذى كان، ككثير غيرها مما فات، ومما هو آت.

يبدو أننا يجب أبداً ألا نظل نعول على الدولة الرسمية فى مثل هذه القضايا التى تتعلق بالإبداع، والابتكار، والاختراع، والتخيل، قد تعتبرها الدولة من أعمال الرفاهية، فهى قد اعتادت الاستيراد والمساعدات، بمعنى أن الاعتماد على الذات ليس من بين أولوياتنا، لا توجد حتى الآن خطط خمسية ولا عشرية للمستقبل، لا توجد استراتيجية واضحة علمية وعملية للاهتمام بالشباب، يبدو أننا لم نفطن حتى الآن إلى أنهم مستقبل مصر.

على أى حال، هى رسالة للوطنيين من رجال الأعمال، قد يتحمس بعضهم لرعاية مثل هذه المواهب، من خلال مسابقات سنوية محلية، يتم من خلالها التصعيد إلى مسابقات مايكروسوفت وغيرها من المسابقات الدولية، هى رسالة إلى الجمعيات الأهلية للدخول فى هذا المضمار، هى رسالة إلى المؤسسات الكبرى، الإعلامية، والعلمية، والثقافية، والصناعية، بالتأكيد كل منها تستطيع القيام بدور ما، فى رعاية الموهوبين من النشء فى شبه الدولة، على أمل أن تكون هناك دولة فى المستقبل يمكن أن تقوم بدورها.