أنور وتهامى

أسامة غريب الخميس 02-06-2016 21:47

دخل الأستاذ أنور إلى عيادة الطبيب وهو يئن من وجع عظامه. ذهب إلى الدكتور تهامى، الذى تسبقه شهرته، وهو مستبشر بأن نهاية الأوجاع ستكون على يديه. نام على السرير قبالة الطبيب الذى تفحص وجهه من بعيد، ثم مال عليه يسأله: حدثنى عن ظروفك العائلية! قال مندهشاً: عائلية إيه؟ أقول لك عظام يدى وساقى تؤلمنى. تجاهل الطبيب ملحوظته، وسأله: هل يكفيك مرتبّك؟ قال: لقد اقترضت حتى أدفع لك الفيزيتا، لكن هذا لا يشغلنى الآن.. رُكبتى يا دكتور.

عاد الطبيب إلى كرسيه فجلس وأمامه المريض متلهفاً ليعرف أخبار حالته. قال الطبيب: بسيطة.. أنت تشكو من حالة نفسية، لديك اكتئاب متوسط.. سأكتب لك أدوية تحل كل مشاكلك.

نظر المريض حوله فى دهشة ليرى إن كان الطبيب يحدث شخصاً آخر، ثم قال معترضاً: عظامى يا دكتور.. أوليست اللافتة المعلقة على بابك تقول إنك طبيب عظام؟ أخذه الطبيب من يده وأوصله حتى الباب وقال للتومرجى: اللى بعده!

دخل الصيدلية يجر قدميه جراً وقدم للصيدلى الروشتة، فأحضر له دواء تريبتيزول ودواء سيروكسات ودواء زولوفت. فى البيت قرأ النشرة الداخلية لكل دواء فوجدها أدوية لعلاج الاكتئاب والذهان وكل ما له علاقة بالدماغ المتشخرمة. بعد قليل نزل ليقابل أصدقاءه على القهوة، وهناك حكى لهم عن الطبيب العجيب الذى وصف له علاجاً للاكتئاب وتجاهل وجع عظامه.

كانت خلاصة كلام الأصدقاء أن الطب لم يعد له أمان كما كان فى السابق، وأن الأطباء لم يعودوا هم الحكماء كما يشى اسم نقابتهم «دار الحكمة»، بل إن الطب صار وظيفة من السهل انتحالها من قِبَل بتوع الكفتة والحواوشى، وأخبروه أن فاراً من مستشفى المجانين اشتغل طبيباً مقيماً بأحد المستشفيات الجامعية لعدة سنوات قبل أن يكتشف أمره. شعر أنور أنه كان ضحية طبيب مختل ضحك عليه ولهف منه ثمن الكشف ثم جعله يشترى دواء بالشىء الفلانى وهو ليس فى حاجة إليه.

هذا الشعور أمضّه ونكد عليه فعاد إلى البيت محطماً يشعر أن العالم يطبق عليه ويكاد يخنقه. نام أنور وأحزانه معه، وعندما صحا من النوم كان اليأس والغضب قد استحالا إلى اكتئاب نفسى حاد سيطر على الرجل، ففقد الشهية للطعام وأهمل الذهاب للعمل ولم يعد يحلق ذقنه أو يهتم بمظهره. مرت الأيام بالأستاذ أنور وهو من سيئ إلى أسوأ حتى خشى عليه الأصدقاء والجيران، ثم قرر أحد أصدقائه أن يقيم معه ويتعهده بالرعاية وبدأ يعطيه أدوية الاكتئاب بانتظام..

يوماً بعد يوم بدأ أنور يتحسن وبدأت تعود إليه روحه الغائبة، واسترد شهيته للطعام من جديد وحلق ذقنه واستحم وقطع الإجازة مقرراً العودة إلى العمل.

شعر الأستاذ أنور بعد أن أنهى كورس العلاج أنه ولد من جديد وأن فترة الاكتئاب الكابوسية قد فارقته إلى غير رجعة، فنزل فى المساء وقطع الطريق إلى عيادة الدكتور تهامى، وهو يصفر فى الشارع بألحان مبهجة، ولم ينس أن يعرج على بائع الورد ليشترى باقة جميلة قدمها للدكتور تهامى وهو يحتضنه ويشكره على علاجه الناجع الذى أزال عنه المرض.

ما سبق ليس أحد أفلام وودى ألين.. لكنه حياتنا!