من يقف وراء التنكيل المجنون بنقابة الصحفيين؟

مي عزام الأربعاء 01-06-2016 21:19

لم أكن أهتم كثيرا بالسياسة وشؤون الحكم، وكنت ممن يسعون للتغيير الاجتماعى الهادئ، وكان مقالى الأسبوعى بعنوان «جسر المحبة» يركز على سبل تحسين الحياة، وتطوير نظرتنا لأنفسنا وللبيئة التى نعيش فيها، وللعلاقات التى تربطنا بالآخرين من حولنا، لكننى مع الأيام الأولى لثورة يناير، تسمرت أمام الشاشات لمتابعة الحدث الكبير الذى هز حياة المصريين، كما هز المنطقة والعالم، ونزلت إلى الميدان بدافع التعرف والمتابعة، أكثر من دافع المشاركة والمواجهة، فقد كنت أدرك أن دورى فى الثورة لا يتجاوز التعاطف مع مطالبها، ومشاركة الناس الرغبة فى تغيير حياتنا للأفضل، حسب مشروعى القديم، لكننى بدأت ألاحظ طبيعة الصراع العميق فى المجتمع بين مفاهيم تحولت مع مرور الزمن إلى أسوار عالية وحواجز هائلة بين الناس، ومن بين هذه الحواجز، ظهر أمامى مدى الاختلاف فى نظرة فئات الشعب للرئيس، وفى تلك الأيام كتبت أول مقال سياسى مباشر بعنوان «مبارك أب أم رئيس؟» قبل تنحى مبارك، فقد كانت الحملات الإعلامية الموجهة من جانب المؤسسات الرسمية والمناصرين لها من الكتاب والإعلاميين والخبراء الاستراتيجيين والمسؤولين السابقين ترفع درجة المزايدات على مشاركة مبارك فى حرب أكتوبر، ودفاعه عن أرض مصر فى مواجهة الأعداء (كان المقصود بالأعداء «إسرائيل»)، كما كان هؤلاء يلعبون على نغمة التعاطف مع مبارك كأب للمصريين لا يجب إهانته، أو طرده من السلطة، لأن فى ذلك غدر أخلاقى، وجحود يشبه الجحود الذى لاقاه «الملك لير» من ابنتيه!

كنت أقول، ببساطة، المواطنة غير المنخرطة فى العمل الحزبى أو السياسى الاحترافى أن الرئيس مجرد موظف كبير ينفذ برنامجا لصالح الشعب، وإذا اعترض الشعب على طريقته فى الأداء، أو لاحظ عليه انحرافا أو فسادا، أو على أى مسؤولين أصغر ممن يختارهم لمساعدته فى الحكم، فإن الأمر يستوجب المساءلة والمحاسبة، وربما أيضا الإقالة أو الحبس، وهذا يحدث حولنا فى العالم كله، من غير حديث عن عاطفة الأبوة، وابتزاز بمقولات من نوع «دافعت عن أرضكم» أو «أطعمتكم وحرمت نفسى من أجلكم»، فقد أقيل نيكسون من رئاسة أقوى دولة فى العالم، ولم يقل أحد: «آسفين يا نيكسون»، وفى دول أحدث وأفقر مثل البرازيل وفنزويلا يُحاكم الرؤساء، لأن الأصل فى السلطة هو تداولها، وليس تمليكها لأحد، بحيث يبدو الحديث عن نزعها منه انقلاباً أخلاقياً، أو جريمة سياسية تستحق المحاكمة بتهمة «قلب نظام الحكم».

لذلك كتبت منذ أسابيع مقالا آخر للتأكيد على نفس الفكرة التى لا تريد الدولة بأجهزتها أن تستوعبها، فتتحدث عن الديمقراطية فى تصريحاتها، ثم تهدمها فى جوهرها، عندما تلقى القبض على المواطنين لأنهم يجاهرون برغبتهم فى تغيير نظام الحكم، وتوجه لهم التهمة المضحكة التى تتعارض مع مبدأ «تداول السلطة»، وكان المقال موجها للرئيس السيسى بعنوان «لست نبياً ولا ملاكاً.. لكنك رئيس منتخب» (http://www.almasryalyoum.com/news/details/928644)، وسجلت فيه من الذاكرة السريعة ملاحظاتى على أداء النظام منذ ثورة 30 يونيو، انطلاقاً من أن النقد هو أول الطريق للتصحيح، ورفض النقد أو الضيق منه يعد أول طريق الاستبداد، ثم البطش، وللأسف الشديد، فقد بدأت أشعر أننى تحولت (رغما عن تخطيطى المسبق لحياتى وبرامجى) إلى محترفة سياسة، لأن صوت العقل غير مسموع من أى نظام لا يتعامل إلا بلغة القوة، ويخوض كل صراعاته بالعنف، وليس بالحوار والفهم، وفى رأيى أن ما حدث من تطورات مؤسفة ومدانة فى أزمة نقابة الصحفيين يعبر بوضوح عن عمق أزمة النظام فى تعامله مع الشعب والنقابات والمنظمات الأهلية، ومع كل فرد ومؤسسة خارج تشكيلة النظام، التى تتصرف الآن كأنها تحارب على الجبهة ضد الأعداء الذين استمد مبارك من حربه ضدهم ذريعة لبقائه فى السلطة، رغم تفشى الفساد فى العقدين الأخيرين من حكمه، لكن حتى هؤلاء الأعداء صاروا الآن محل تقدير، وحرص من النظام الحالى الذى يبحث عن سلام أكثر دفئا معهم، ولذلك أخشى أن نتحول نحن إلى أعداء، لكى يواصل النظام بطولاته علينا، باعتبارنا أعداء لوطننا.

وقبل أن أنهى مقالى، أؤكد رفضى للتنكيل بنقابة الصحفيين، تحت ستار القانون، وأوضح أن الحرية ليست اختيارا لرئيس أو نظام. الحرية حق إنسانى، ومن يتجاوز ضده يخسر مشروعيته، كما يخسر إنسانيته، فاستفيقوا يرحمكم الرحمن الرحيم.

ektebly@hotmail.com