ما حكاية تيمة فقدان الذاكرة التى تسيطر على أفلام الموسم الحالى! من الواضح إذن أنها كانت السبب وراء انسحاب كريم عبدالعزيز من سباق العيد نتيجة أن فيلمه يدور حول شاب يفقد الذاكرة هو الآخر! فيكفينا «زهايمر» عادل أمام وفقدان حلمى لأى ذكرى عن حبيباته السابقات.
بلبل حيران هو ثانى تجربة فى نفس العام بين حلمى وخالد دياب وخالد مرعى وهى تجربة كوميديا رومانسية تبتعد عن الخط السياسى الاجتماعى الذى حاول طرحه فى «عسل إسود» وعن الفلسفى والنفسى فى «ألف مبروك» و«آسف على الإزعاج». ويبدو من خلالها أن البلبل حلمى حسم حيرته لصالح الشكل الذى يريده الجمهور فيه.. ولكن يكفى أن هذه التجربة أنضج بكثير من تجارب سابقة له اتخذت نفس لون الكوميديا الرومانسية ولكنها لم تكن بنفس التماسك.
تعتمد حبكة الفيلم على بناء أربع شخصيات رئيسية بشكل متباين تماما أولاها شخصية بلبل/نبيل مهندس الديكور الشاب الذى يعانى من صفة التردد فى اختيار الأشياء المهمة، ومن هنا تعتبر مهنته كمهندس ديكور مناسبة تماما لتكوينه، فالديكور والألوان مسألة ذوقية من السهل الاختلاف عليها والحيرة فى الاختيار بينها، وهو ما نجده فى الفيلم بالفعل من حيرته فى اختيار بعض ألوان الحوائط كدليل على حيرته المستمرة فى اختيار أشياء أخرى أهمها شريكة حياته. والشخصية الثانية هى ياسمين/زينة عازفة الهارمونيكا التى لا تشعر بالغيرة، ولا تتقن فن شراء الهدايا، وتحب التجمعات وتفرض على بلبل أكلات بعينها دون أن يعنيها ما يريده بلبل نفسه، وفى المقابل لدينا شخصية هالة/ شيرى التى تغار على بلبل وتتفنن فى شراء الهدايا، بينما لا تحب الحفلات وليس لديها وجهة نظر أو قدرة على اختيار أى شىء! وأخيراً أمل الدكتورة التى تشرف على علاجه وهى أقل الشخصيات حركة وأكثرهم تواجدا، ملامحها الدرامية تبدو أحادية جدا، تتأثر فقط بما يحكيه لها بلبل الراقد مكسرا على سرير فى المستشفى.. بينما الأحداث كلها عبارة عن فلاش باك متعدد الفصول يحكى من خلاله بلبل لأمل عن حكايته مع الحيرة والاختيار بين الفتاتين. ويأتى الانقلاب الدرامى عندما يفقد بلبل ذاكرته نتيجة حادث عارض فينسى كلتا الفتاتين ويعود للتعرف عليهما من جديد وهى تيمة معروفة ويتم من خلالها التأكيد على فكرة أن الحب هو وسيلة الاختيار وليس التقييم العقلى البحت والموازنة بين الصفات.. ولكن عودة الذاكرة لبلبل مرة أخرى تأتى عبر موقف ضعيف حيث ترتطم راسه مرة أخرى بالمكتبة فى بيته.. وكان من الممكن أن يعالج الموقف بشكل أكثر نضجا. ويعتمد الفيلم بالأساس على أسلوب كوميديا الإفيه.. حتى المواقف الكوميدية يتم التعامل معها على أنها مساحة لاطلاق الإفيهات من بلبل، الذى يكاد ينفرد دون بقية شخصيات الفيلم بكل الإفيهات تقريبا مستخدما كل ما حوله فى حشد الفيلم بأكبر عدد من الإفيهات اللفظية! ومشكلة الاعتماد على الإفيهات أنها لا تسمح لمخرج التجربة بتقديم كادر خصب أو مبتكر حيث أقصى ما يمكن أن يفعله هو تصوير بطله وهو يقول الإفيه.. ولم يتح السيناريو أى نشاط إخراجى سوى فى الجزء الأخير عندما وقع بلبل فى مصيدة الفتاتين بعد أن حاول اللعب على حبليهما.. وبدأت عملية تلقينه درساً استغلالا لمسألة فقدانه الذاكرة.. عبر تبادل الأدوار والأهل.. وقد لعب مونتاج دعاء فتحى دوراً جيداً فى هذه اللقطات كأن تدخل ياسمين فتخرج بدلا منها هالة فى جزء من الثانية لإرباك بلبل. وحاول خالد مرعى أن يصنع شكلاً بصرياً فى بداية كل فصل من فصول الحكاية التى يحكيها بلبل لأمل من خلال ألعاب بصرية بالصورة الواضحة والغائمة أو النت والفلو كما يطلق عليها.. ولكن هذه الألعاب لم تفلح فى جعلنا أمام فيلم جيد على مستوى الصورة. وقد قدم هشام نزيه موسيقى شديدة الحيوية من خلال الإيقاعات والتوزيعات استغلها مرعى بشكل جيد خاصة مع خبرته كمونتير وذلك بعيدا عن المؤثرات الصوتية الطريفة أو المحاكاة الموسيقية لحركة الشخصيات.. ولكن من خلال مقطوعات بعضها يتدفق بالطاقة وينعش شريط الصوت.وهناك حالة عامة بالفيلم تذكرنا بالكوميديا الرومانسية الأمريكية الخفيفة ولكن لأول مرة يلجأ حلمى لاستخدام إفيهات ذات معنيين كتلك التى يستخدمها أحمد وهى نوعية لم يكن حلمى يلجأ إليها أو يحتاجها بل يبدو حلمى هنا أقل خفوتا على مستوى التمثيل من أفلامه السابقة لأن شخصية بلبل رغم بنائها الجيد فإنها أحادية المشاعر حيث تسخر من كل شىء طوال الوقت وتبدو وكأنها لا تتأثر أو تنفعل ولكنها تطلق فقط الإفيهات كأن لا شىء يغيظها أو يغضبها أو يعكر صفوها، حتى عندما كانت الشخصية تقرر ترك إحدى الفتاتين لاخرى كانت تمر على الانفعال مراً ولا يتغير من ملامحها شىء! فقط مجرد إفيه أو اثنين وننتقل إداريا للمشهد التالى! وكأنه لا يريد أن يزعج جمهوره بأى انفعال حتى لا يحيره معه فى اختيار شخصيات أفلامه مرة أخرى.