منذ أربع سنوات بالضبط.. كانت هناك امرأة مصرية فقيرة اسمها أم أحمد، تقيم فى حى الدويقة.. وقررت أم أحمد أن تسعد أطفالها الخمسة، فصممت لهم حمام سباحة خاصاً وغريباً جداً من أحواض البلاستيك القديمة.. ولأن الغرفة التى تقيم فيها أم أحمد وأطفالها لم تكن لتسع هذا الحوض.. قررت أن تضعه فى إحدى خرابات الدويقة التى تتناثر فى كل مكان.. ومع الأيام اكتشفت أم أحمد، التى لم تمارس الرياضة أبدًا من قبل طيلة حياتها.. ولم تدرس أياً من علوم النفس أو الحركة أو الاجتماع.. أن ما قامت به أضفى الكثير جدا من الفرحة والبهجة على أطفالها الخمسة رغم فقرهم وعذابات وجروح أيامهم.. فقررت نفس المرأة.. التى أيضا لم يسبق لها دراسة أى من علوم الاقتصاد والتجارة.. أن تبيع تلك الفرحة لكل الأطفال والصبية الصغار فى الدويقة.. وباتت تتقاضى نصف جنيه ثم جنيها كاملا فيما بعد من أى طفل أو طفلة ترغب فى السباحة داخل هذا الحوض والاستمتاع بالماء.. ثم عادت تلك المرأة.. التى أيضًا وأيضًا لم تدرس علوم وفنون الإعلام والدعاية والتسويق.. واختارت أن تطلق على مشروعها اسم بورتو أم أحمد، حتى لا يشعر أطفال الدويقة وصبيانها بأن كل واحد منهم لا يدفع نصف الجنيه فى اليوم أو حتى جنيه كامل فقط من أجل السباحة واللعب، وإنما حتى لا يشعرون بأنهم أقل من كل هؤلاء الأطفال والصغار والكبار الذين تسمح لهم ظروفهم ودنياهم بكل ما هو حقيقى وجميل فى الأندية أو على شواطئ كل بحر.. ونجحت الفكرة أو المشروع.. فالدويقة كانت حتى أمس الأول هى أحد الأحياء أو التجمعات العشوائية المحيطة بالقاهرة من خارجها أو الساكنة فى قلبها..
حيث الأحلام الضائعة والحقوق الغائبة والفرحة المستحيلة.. ونجحت أم أحمد فى أن تكسر ولو قليلاً ومؤقتًا كل الحواجز والقيود بحثًا عن أى فرحة استثنائية.. والتفتت حتى وكالات الإعلام العالمية لبورتو أم أحمد كحكاية غريبة ومثيرة صالحة للتسلية دون التفات حقيقى لمعنى الذى جرى ودلالته سياسياً واجتماعياً ونفسياً ورياضياً.. بل ولم يهتم أحد أصلاً بمتابعة بورتو أم أحمد ويطرح أى أسئلة كانت وقتها ولاتزال مشروعة وضرورية عن هؤلاء الأطفال الفقراء، وكل حقوقهم التى كانت ولاتزال غائبة وضائعة ومستحيلة أيضا.. وعدت أمس الأول لأتذكر حكاية بورتو أم أحمد وكل ما كتبته عنها هنا منذ أربع سنوات وأنا أشاهد افتتاح الرئيس السيسى لحى الأسمرات الجميل الذى تم بناؤه بأموال صندوق تحيا مصر، وتخصيصه لإسكان عائلات الدويقة فى أول خطوة حقيقية وجادة لمواجهة عشوائيات مصر.. مشروع لن يدرك قيمته إلا الذى رأى بنفسه كيف كان يعيش هؤلاء الناس فى الدويقة وعزبة خيرالله وبطن البقرة.. مشروع يستحق عنه الرئيس كل شكر حقيقى وامتنان صادق.. وأخيرا أصبح لهؤلاء الأطفال بيوت تليق بكل حقوقهم الإنسانية والمعيشية.. أخيرا أصبحت لهم مدارسهم مثل غيرهم ولهم أيضاً ملاعب وحمام سباحة حقيقى وليس طشت غسيل أم أحمد.