كل ما تكتبه إلكترونياً يمكن استرجاعه إلا إذا..
لو قلت إننى لم أنم لما بالغت، فقد كانت المشكلة خطيرة جدا. كاتب ثروته أرشيفه ومخزون كتاباته ومعلوماته على الكومبيوتر وهناك فى مخزن إضافى منفصل احتياطى، ومرة واحدة يختفى هذا كله من الكومبيوتر ومن المخزن المنفصل بسبب فيروس وصلنى عبر رسالة تحمل اسم الأستاذ سامى شرف لا يعرف عنها، ولكنها تسللت إلى ذاكرتى وأصابتها بالعمى، فلم أعد قادرا على رؤية ما فيها ولا هى أصبحت قادرة على رؤيتى!
وهدانى تفكيرى إلى صديقى المهندس سمير العريشى، الذى أعرف أنه أحد خبراء هذه التكنولوجيا المعدودين، فمنذ تخرجه فى كلية الهندسة عام 1961 عمل فى شركة آى بى إم، وسافر أمريكا وتنقل فى مناصبها حتى أصبح من ألمع المصريين فى المجال، ورغم تقاعده إلا أنه من صومعة التكنولوجيا فى بيته يتابع يوميا تطورات هذا العالم الذى نعرف ببساطة كيف بدأ، ولكن لا يستطيع واحد معرفة كيف سينتهى أو حتى سيكون بعد خمس سنوات فقط.
وجاءنى صوت المهندس سمير مبشرا مبددا ظلام اليأس الذى أعيشه، ولن أطيل فقد أرسلت له الكومبيوتر والمخزن الإضافى لأفاجأ بصوته بعد ساعة يسألنى فى التليفون: موضوعاتك المختزنة موجودة أمامى وأستطيع قراءة عناوينها، فهل تريد بعضها أم كلها؟ وقلت أولا: بعضها، ثم طمعت وقلت أريدها كلها!
وعن طريق «هارد ديسك» جديد اشتريته أرسلته إليه استطاع أن ينقل لى صورة كاملة من محتويات المخزن، الذى بالتعبير العلمى الصحيح كما شرح لى فقد «فهرسه». ذلك أنه- حسب شرح المهندس العريشى- عندما تدخل مقالا أو معلومات على الكومبيوتر أو على درايف منفصل تستخدمه مخزنا، فإنه فى وقت واحد يتم حفظ المقالة أو الداتا وفى الوقت نفسه عن طريق العنوان الذى تكتبه للمقالة أو الداتا تتم فهرستها بحيث عند الاسترجاع يتم عن طريق هذا الفهرس الوصول إلى مكان المقال. والذى يحدث عند تسلل فيروس أو لأسباب أخرى يفسد الفهرس أو يصعب قراءته، فلا يستطيع المستخدم الوصول إلى المقالة أو الداتا التى تظل موجودة فى مكانها ولكن يستحيل الوصول إليها بسبب ضياع الفهرس أو المفتاح للمقال. والذى فعله المهندس العريشى أنه فتح المخزن بدون فهرس عن طريق برامج فنية متخصصة ليس سهلاً على الهواة مثلى التعامل بها.
وهذا يعنى أن كل محمول وكل شريحة مثل مفتاح غرفة فى فندق مسجل عليها بياناتك إلكترونيا، تظل البيانات عليها ويسهل للخبراء استرجاعها مما جعل أجهزة المخابرات والأمن والبنوك والجهات التى تتعامل مع معلومات سرية مهمة لا تتخلص من ملفاتها إلا بعد ضمان عدم استرجاعها. وفى الماضى كان يتم ذلك عن طريق جمع ما يراد التخلص منه وتعريضه لقوة ضاغطة مثل وابور الأسفلت أو الماكينات المشابهة فى وظيفتها للقيام بما تقوم به ماكينات الفرم بالنسبة للورق. أما اليوم- هكذا قال لى المهندس سمير العريشى- فهناك برامج تنتجها الشركات متخصصة فى مسح المعلومات، بحيث يستحيل استرجاعها ويمكن للأفراد اللجوء إليها.
مع ذلك كانت المشكلة المحيرة لى هى كيف حدث فى وقت واحد أن أفقد ملفاتى المختزنة على الكومبيوتر وفى نفس الوقت نفس الملفات المختزنة على «هارد ديسك» أو مخزن مستقل منفصل عن الكومبيوتر عليه نسخة من ملفات الكومبيوتر واختفت فى نفس اللحظة التى اختفت فيها من الكومبيوتر؟!! وقد شرح لى المهندس العريشى أن تلف الاثنين حدث فى وقتين منفصلين. فالهارد ديسك أو المخزن الذى كنت أستخدمه بلا غلاف يحميه من السقوط أو الاهتزازات، ولذلك نصحنى باستخدام هذه المنتجات الأغلى. والذى حدث- هكذا شرح لى- أن مخزون الهارد تعرض للتلف دون أن أدرى وعندما تلف الكومبيوتر ولجأت إلى المخزن الاحتياطى ولم يستطع الكومبيوتر قراءته خيل لى أنه تلف فى نفس الوقت. ولذلك كانت نصيحة المهندس العريشى التى أنقلها لجميع المستخدمين أنه أصبح ضروريا لمن يخشى على ملفاته أن يحفظها إلى جانب المخزن المنفصل المتنقل حفظها نسخة أخرى فى برنامج (I cloud)، وبذلك يمكن تأمين نسخة لا تضيع إلا إذا نجحت عقول الشر فى التوصل إلى ما هو أحدث، ففى هذا المجال ليس هناك حدود وكل شىء وارد ومحتمل.