حين تغيب دولة القانون

الدكتور مصطفى النجار الإثنين 30-05-2016 21:21

حين تغيب دولة القانون سيتحدث نيابة عنك الشيخ والقس وكبير القبيلة، سيفترسك الأكثر قدرة على ممارسة العنف، سواء كان سلطة أو جماعة أو فرداً، ستتبدل المفاهيم والمعايير وسيصبح الجانى ضحية والضحية جانياً، سيضيع حقك وتتسوله دون جدوى، ستتغير طباع الناس وأخلاقهم، سيميلون إلى الانحطاط النفسى والوضاعة السلوكية والأخلاقية، سيستحلون ظلمك وينهشون فيك بلا رحمة وسيخلقون لأنفسهم ألف مبرر، سيكون اعتقادك الدينى سبباً لإيذائك، ستكون أفكارك وآراؤك الشخصية سبباً للتنكيل بك واضطهادك، ستشعر أنك فى غابة يخط نظامها السفلة ليجعلوا الفوضى والعشوائية منهجاً يدينون به ويفرضونه عليك رغماً عنك.

حين تغيب دولة القانون لا تبحث عن الأمان، فلن تجده مهما طال بحثك عنه وانتظارك له، فلا أمان ولا استقرار يتحقق فى غيبة القانون، حين تغيب دولة القانون يستعلى بعض القوم ويتكبرون على البشر ويضعون أنفسهم فى مكانة فوقهم ويمنحون لأنفسهم حقوقاً ينزعونها عن غيرهم، يتعاملون مع من سواهم كأنهم آلهة لا مساس بها ولا جدال حولها، فهم من يقولون وهم من يفكرون وهم من يحتكرون كل مقومات الثروة والرغد، بينما الآخرون رعاع يجب أن يرضوا بالفتات إذا أُلقى إليهم!

حين تغيب دولة القانون ينتشر الدجل والخرافة والعصبية ويتعاطى الناس الجهل ويصدقون الأكاذيب غير المنطقية التى تزن على أدمغتهم ليلاً ونهاراً، فلا أحد يسأل مروجى الجهل والدجل: لماذا تفعلون هذا؟، من يخرج عن الإطار ويرفض التبعية لركب التخلف فهو مارق خائن للوطن ومعادٍ للمجتمع ومتآمر عليه، أما صناع الكذب ومنتهكو القانون والأعراف فهم الوطنيون بامتياز.

إذا غابت دولة القانون تنتحر الإنسانية، فيتحول الناس لوحوش تفتك بمن تستطيع الفتك به من الضعفاء، بينما تذل وتهون وترضى بقهر من يفوقها قوة وبطشاً، تختفى علامات المروءة والإباء ويصير الذل شرفاً يتقرب به الوضيع لسيده ويحظى به بمكانة ورضا من الأسياد.

لا يموت القانون فجأة ولكنه يموت مع كل يوم يُنتهك فيه جزء منه ولا يغضب الناس ولا يرفضون ما حدث من انتهاك، تسقط المعايير الأخلاقية يوماً بعد يوم، ويخفت صوت الضمير ويتعايش الناس مع المظالم طالما أنها لم تمسهم شخصياً، لكن الدائرة تدور ويصيبهم لظى هذه المظالم يوم ارتضوا إسقاط القانون وانتهاكه فى حق بشر آخرين لا يحبونهم، وفى النهاية لا ينجو أحد من المظلمة التى تعم وتسود وتتوحش هيئتها لحدود لم يتخيلها أحدهم يوماً ما.

عودة دولة القانون تحتاج إلى عودة الضمير واسترداد الحس الإنسانى والتبرؤ من مباركة المظالم وتأييدها، يستيقظ المجتمع على صحوة ضمير يشعر فيها بأن ما مضى هو تشوه جماعى لا بد من علاجه وقطع أسبابه، يتلاوم الناس ويتعاتبون ليس بغرض التوبيخ، ولكن بغرض التسامح والتعلم من أخطاء الماضى، يستعيد المجتمع قدرته على نقد الذات وتصحيح المسار فيفرض على سلطته علاج التشوه والتوقف عن الممارسات التى تنتهك القانون وتغرى آخرين بمزيد من الانتهاك.

الأمل فى هذا البلد أن يستيقظ ضمير الناس، فينكروا كل مظلمة وينصروا كل مقهور ويصروا على بناء دولة القانون التى يُحصّنها العدل، فليمنحنا الله ما نستحق.

alnagaropinion@gmail.com