دروس فى الأخلاق

ياسر أيوب الأحد 29-05-2016 21:22

ليس لدىّ ما أضيفه لكل ما قيل هنا وهناك عن المباراة التى استضافها، أمس الأول، استاد سان سيرو بمدينة ميلانو الإيطالية.. لكن لدىّ أقوال أخرى تخص كرة القدم بعيداً عن ملاعبها وفنونها.. فعلى سبيل المثال فوجئت بسؤال يفرض نفسه علىّ أثناء الفرجة على المباراة التى شاهدها أكثر من نصف سكان هذا العالم.. لماذا يشجع الناس ريـال مدريد أو برشلونة مثلاً.. ولا أقصد هنا أهل مدينتى مدريد وبرشلونة، ولكن الناس فى بلدان أخرى، مثل مصر.. هل هو التاريخ أو الانتصارات أو النجوم، أم هى مجرد مصادفة.. حيث غالباً يعتمد الانتماء لأحدهما على ميول العائلة وسنوات الطفولة والتكوين والأصدقاء..

وبعيداً عن الإسماعيلى والمصرى والاتحاد وكل الأندية التى تصنع الجغرافيا الانتماء لها وشهادة الميلاد والنشأة داخل نفس المدينة.. والذين كانوا مثلى يشجعون الريـال منذ سنين طويلة حباً لمدينة مدريد، كان من المفترض أن يكونوا، أمس الأول، فى النهائى الأوروبى على الحياد بين ناديين ينتميان لنفس المدينة.. لكن بقى الريـال هو مدريد وبقى الذين يشجعون أتلتيكو هم عشاق برشلونة الذين لا يريدون أى فوز وانتصار للريـال.. وفى المقابل كان هناك الجمهور الحقيقى لأتلتيكو الذى سافر وراء ناديه من مدريد إلى ميلانو.. كبار وصغار ورجال ونساء كانوا فى المدرجات بأعلام أتلتيكو يمنّون أنفسهم بالكأس الأوروبية وحلاوتها.. وأعطى هؤلاء للجميع درساً فى الحب حين انتهت المباراة بخسارتهم فوقفوا جميعاً رغم الدموع ومرارة الحزن يصفقون لفريقهم المهزوم بمنتهى الانتماء والاحترام.. وفى حقيقة الأمر كانت هناك دروس كثيرة أخلاقية.. هدف الريـال أحاطت به الشكوك ورغم ذلك لم يخرج لاعبو ومسؤولو أتلتيكو عن أى نص أو نظام.. ولم تكن قرارات الحكم كلها صحيحة، لكنه بقى رغم ذلك حكماً له مكانته وحصانته دون أى شتائم أو اتهامات فى المدرجات أو من المسؤولين والإعلام.. ورغم مكانة وسطوة الريـال إلا أن الاتحاد الاوروبى رفض تماماً مطلب الريـال برش ملعب السان سيرو بالمياه ثلاث مرات.. ولم يعتبر الريـال ذلك هزيمة لمسؤوليه ليغضبوا ويتوعدوا الجميع بالانتقام.. وبعد شائعة زرع قنبلة فى محطة مترو كادورنا قبل المباراة، اضطر البوليس الإيطالى للتعامل مع الجميع بمنتهى الصرامة إلى حد القسوة أحياناً وتفتيشهم ذاتياً حول الاستاد وأمام بواباته، دون أى اعتراضات أو اتهامات للشرطة بانتهاك الحقوق.. وبعد المباراة خرجت الجماهير لشوارع ميلانو، دون أى مواجهات مسلحة بينهما أو اشتباكات وحرائق ودماء وتخريب.

وفاضت تصريحات مسؤولى الناديين إدارياً وفنياً بمنتهى الاحترام المتبادل.. وبالطبع لم تكن هناك شاشات تليفزيون أو صفحات «فيس بوك» فاضت باتهامات وشتائم متبادلة لأنهم هناك لا يرفعون شعار إما أن تنتصر أو تموت.