أكثر الحجج المقنعة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى ليست بالضرورة اقتصادية، فمسألة السيادة، وسيادة البيروقراطية، والعجز الديمقراطى، كلها حجج أكثر قوة لحملة الخروج من الاتحاد «بريكسيت». لكن الحجة الاقتصادية موجودة أيضا، وهى الأخرى تفضل مغادرة الاتحاد.
الخطوة الأولى فى وضع الخطوط العريضة لهذه القضية هى الاستغناء عن الحجة القائلة بأن الوصول إلى سوق واحدة يضعف كل الحجج التى تدعو للخروج. وتؤكد حملة البقاء أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى سيحد من فرص وإمكانيات المملكة المتحدة التى توفرها فكرة السوق الواحدة بالاتحاد الأوروبى. وفى الواقع، السوق الواحدة هى اتحاد جمركى حمائى يضع حواجز جمركية كبيرة على الصناعات والزراعة، وهذان القطاعان معا يمثلان فقط حوالى 11% من الناتج المحلى الإجمالى فى المملكة المتحدة. ومع ذلك، ليس هناك حاجز تجارى للاتحاد الأوروبى على الخدمات التى تمثل ما يقرب من 80% من الاقتصاد البريطانى. لكن قبل أن ننظر فى التكاليف المحتملة للصناعة فى المملكة المتحدة، يجب أن نكون على بينة من بعض الحقائق:
أولا: المملكة المتحدة تصدر بضائع أقل من بقية دول الاتحاد الأوروبى مما تستورد من الاتحاد الأوروبى. وبلغ العجز التجارى لبقية دول الاتحاد الأوروبى فى السلع 85.3 مليار يورو فى 2015، مقارنة مع عجز قدره 20.7 مليار يورو للدول غير الأعضاء فى الاتحاد. وعلاوة على ذلك، يتسع العجز التجارى بيننا وبين بقية دول الاتحاد الأوروبى منذ 2008، فى حين أن عجزنا مع بقية العالم انخفض خلال الفترة نفسها.
ثانيا: على عكس ما يُعتقد شعبيا، ألمانيا ليست أكبر سوق تصدير لدينا. ولئن كان صحيحا أن 44% من صادراتنا تذهب إلى الاتحاد الأوروبى، فسيترتب على ذلك أن 56% من صادراتنا تذهب للبلدان خارج الاتحاد الأوروبى. وكانت الولايات المتحدة أكبر سوق لدينا لتصدير البضائع فى 2015 بنسبة «15%»، تليها ألمانيا «10%»، ثم سويسرا «7%»، والصين «6%»، وتمثل الواردات من الاتحاد الأوروبى 53% من إجمالى واردات السلع، وألمانيا أكبر دولة، إذ تشكل 15%، وأخيرا، كان لدينا فائض من 30 مليار يورو من تجارتنا فى الخدمات فى أنحاء أوروبا فى 2014، فى حين بلغ الفائض التجارى لأعلى 5 دول فى تجارة الخدمات فى الاتحاد الأوروبى 8 مليارات يورو.
والفكرة من هذه الحقائق هى أنه بقدر ما يتعلق الأمر بالسوق الواحدة، فالتعريفات الجمركية على صادرات سلع المملكة المتحدة ستضر ببقية صادرات الاتحاد الأوروبى إلى المملكة المتحدة، وبما أنهم يصدرون لنا أكثر مما نصدر نحن لهم، فستظل المخاطر عالية. وهذا يدفع الطرفين للاتفاق على الترتيبات التجارية التى لا تضر بالتجارة، لكن بالنسبة لتجارة الخدمات، حيث تتمتع المملكة المتحدة بميزة نسبية هائلة، يجب ألا تؤثر عليها السوق الواحدة.
هناك 3 حجج اقتصادية رئيسية لـ«بريكسيت»: الحجة التجارية، والحجة المتعلقة باللوائح والقوانين، وحجة تركز على التوزيع. فى الحالة الأولى، فإن الاتحاد الأوروبى يضع حواجز واقية حول التصنيع والزراعة، لكنه يترك الخدمات تتأثر إلى حد كبير، فداخل الاتحاد الأوروبى، أسعار الصناعات التحويلية والمنتجات الزراعية أعلى من أسعار السوق العالمية، لكن الحواجز الجمركية ليست القصة كلها، إذ يوجد العديد من الحواجز غير الجمركية أيضا التى يصعب قياسها كميا.
وقد قاس بحث- أجراه باتريك مينفورد مع عدد من زملائه- التأثير المشترك للحواجز الجمركية وغير الجمركية، بتقدير زيادة 20% على الأسعار العالمية. على هذا النحو، فأى اتفاقية تجارية مع الاتحاد الأوروبى تقلل من أسعار الواردات للسلع المحمية ستكون تحسنا.
ويقدر «مينفورد» وزملاؤه أن الأسعار العامة ستنخفض بنسبة 8% فى هذا السيناريو، وسيزيد الرفاه الاقتصادى بنسبة 4% من الناتج المحلى الإجمالى. وسيتقلص قطاع التصنيع بسبب التعريفات الوقائية، لكن هذا سيحرر الموارد لقطاع الخدمات التنافسية التى من شأنها أن تتوسع.
ومن وجهة نظر الاقتصاد السياسى، فإن الرابحين «المستهلكين البريطانيين» قد يرغبون فى تعويض الخاسرين «المزارعين». لكن هذا يطرح سؤالين مهمين. أولا: كيف ينبغى للرابحين تعويض الخاسرين، والثانية: هل يمكن لحكومة المملكة المتحدة الالتزام بالمصداقية لتعويض الخاسرين؟ وفيما يتعلق بالسؤال الأول، فإن الأسلوب الأقل تشويها للتعويض هو توفير مبلغ مالى مقطوع كدعم، بهدف عدم ترك قرارات الإنتاج تتأثر بالتدخلات. وهذا من شأنه أن يكون مجرد وسيلة للتخفيف من الأثر المالى على هؤلاء المتسلمين الذين أصبحوا يعتمدون على الأموال المصروفة من قِبَل الاتحاد الأوروبى.
والسؤال الثانى وهو الأصعب: لا توجد وسيلة موثوق بها تضمن التزام الحكومة المستقبلية بتوزيع أرباح «بريكسيت» بالطريقة التى يقوم بها الاتحاد الأوروبى حاليا. هذا هو الحال، لأنه بشكل خاص، أكبر قدر من إنفاق الاتحاد الأوروبى قد يكون غير فعال، ولا يذهب للقطاعات والمجالات التى هى بحاجة إليه. قد يكون مقنعا سياسيا أن نَعِد الخاسرين فى المدى القصير بحمايتهم، لكن ذلك على المدى الطويل عندما يكون لديك توازن فى توزيع الموارد واستخدامها بشكل أفضل. وكل جماعة ضغط ستحاول إقناع الحكومة بقضيتها التى ستكون متوازنة فى العالم الديمقراطى ضد الصالح العام، فهذه هى الطريقة التى تعمل بها الديمقراطية.
نقلا عن مجلة «نيوزويك» الأمريكية
ترجمة- غادة غالب