لن يخرج وزير الدفاع الإسرائيلى الجديد عن النص المرسوم له ربما؟!. لكن حالة الصخب وردود الأفعال الدولية والإقليمية المصاحبة لتعيينه وزيرا للدفاع هي من خالفت التوقعات، ليس لأنه متطرف بالفطرة وبالتالى فكل ما يرشح عنه لا بد أن يكون متوقعا، ولكن لأنه جاء في الوقت الذي بدا فيه سلفه موشيه يعالون يهاجم الحكومة ويهاجم أخلاقيات الجيش الآخذة في الانحطاط الأخلاقى، ويأتى أيضا في الوقت الذي أطلق فيه الرئيس السيسى مبادرته للسلام مع الفلسطينيين وفتح نافذة جديدة للحوار.
«أفيجدور ليبرمان» المولود عام 1958 في مولدافيا وهاجر إلى إسرائيل عام 1978، يعرف بمواقفه شديدة التطرف والعنصرية، عارض مرارا مفاوضات السلام مع الفلسطينيين وأبرزها حين انسحابه من الحكومة عام 2006 اعتراضا على دعم «إيهود أولمرت» رئيس الوزراء آنذاك لها، وفى نفس العام دعا إلى قتل كل عضو عربى في الكنيست يجتمع مع أعضاء الحكومة التي تقودها حماس، ومؤخرا طالب بإعدام منفذى عمليات الطعن وعدم التردد في فتح النار عند أي اشتباه لدرجة أنه أثنى على فعل جندى قام في السابق بإطلاق النار على جريح فلسطينى وقتله ووصفه نتنياهو بالرجل الخطير! كما وصف السلطة الفلسطينية بالمتخلفة سياسيا.
ليبرمان الشخصية المختلف عليها ربما يخالف التوقعات بعد توليه حقيبة الدفاع، ليس لأن قناعاته الراديكالية ستتغير أو سيصبح فجأة من الحمائم، ولكن لأنه سيحاول أن يثبت للعالم أنه على قدر منصب وزير الدفاع الذي يشغله والمسؤول عن ميزانية هائلة تقدر بنحو 20 مليار دولار في العام، لذا ربما يعتمد سياسة معتدلة نسبيا، فوجود ليبرمان في السلطة يختلف عما هو عليه في المعارضة إذ سيسعى إلى سياسة متوازنة تتعامل مع سياسة الفعل ورد الفعل، هذا سيناريو المتفائلين، لكن يظل الاحتمال الأكثر تشاؤما النابع من سلوك ليبرمان نفسه، سلوك يتسم بالتطرف والعنصرية والقسوة سيدفعه دفعا للتعامل مع ملف قطاع غزة بقسوة، ليبرمان المعروف بمواقفه المتشددة تجاه الفلسطينيين سيكون مسؤولا مباشرا عن الكثير من تفاصيل الحياة في الأراضى الفلسطينية بما فيها التنقل والاستيطان ومصادرة الأراضى والعمل في إسرائيل، سيحاول طمأنة السكان الإسرائيليين المقيمين على الحدود المتاخمة لغزة بأنه الأقدر على حماية أمنهم وسلامتهم، وربما يقوم بعملية عسكرية تهدف إلى تعزيز شعبيته ومكانته، فأثناء الحرب العدوانية الإسرائيلية الأخيرة على غزة عام 2014 عارض ليبرمان وقف إطلاق النار بخلاف نتنياهو وموشيه يعالون اللذين أصرا على تدمير أنفاق حماس، لكن ليبرمان كان يرى الهدف من الحرب هو إسقاط حكم حماس في غزة، ومن هذا المنطلق لن يتردد في شن حرب جديدة على غزة، يتحدى بها نتنياهو شخصيا والذى يعتبره خصما له رغم التحالف الذي جمع بينهما بحكم الضرورة، وحتى هذا التحالف الذي جاء مؤخرا بانضمام حزب ليبرمان «إسرائيل بيتينو» إلى الائتلاف الحكومى الذي يقوده نتنياهو لم يخف ليبرمان نواياه المتطرفة حين قال: «الأهم هو أمن مواطنى إسرائيل وعلى هذا الأساس فقد بذلنا الجهود ووضعنا كل القضايا الأخرى جانبا» ؟! وهذا يفسر أن موافقته على الانضمام للائتلاف الحكومى رغم خصومته مع نتنياهو ورغم عدم ثقة نتنياهو فيه، تأتى في إطار فرض وتنفيذ أفكاره وسياساته المتشددة حيال الفلسطينيين وعدم تسليمه بشرعية التفاوض معهم.
صحيح أن صناعة القرار لا يتم اتخاذها من وزارة الدفاع، إلا أن ليبرمان قادر على تكوين رأى واتجاهات جديدة للتعامل مع غزة تتسم بالحزم والرد بقوة والتى قد تؤدى إلى حرب جديدة طالما سعى إليها، لأن لديه رغبة بإسقاط حماس والحجة ستكون لديه جاهزة، فمنذ وقف إطلاق النار في الحرب الأخيرة على غزة 2014 وإسرائيل تعلن من حين لآخر عن قذائف صاروخية تنطلق من غزة نحو أراضيها المحاذية للحدود، ومن هنا سيحاول ليبرمان استغلال الموقف لزيادة شعبيته بشن هجوم عسكرى يحاول من خلاله إظهار مدى جديته في محاربة حركة حماس وتوجيه ضربة قاسية للمقاومة والقضاء على الأنفاق الحدودية، ولأن غزة تشكل له نقطة اختبار حقيقية، لذا سيحاول أن يطبق رؤيته وشعاراته خاصة في حال تدهور الوضع الميدانى واتجاه الأمور نحو التصعيد.
لكن ورغم تطرف وسيادية ليبرمان إلا أنه داخل السلطة الآن بعيدا عن المعارضة وشعاراتها ولهذا ثمنه ويجب وضعه في الاعتبار، ولأنه سياسى محنك سيعمل وفق سياسة التلاعب واغتنام الفرص، وسيحاول جاهدا أن يثبت للنخبة الإسرائيلية أنه الأعمق والأكثر حكمة، لكنه يدرك أيضا جيدا أن أي محاولة غير محسوبة الخطوات تجاه غزة قد تأتى بنتائج عكسية على منصبه وربما على الحكومة الإسرائيلية بأكملها، وأن أي مواجهة عسكرية ستكلفه الكثير، صحيح أن هناك تحديات كبيرة في انتظار الرجل وملفات شائكة سنرى كيفية التعامل معها، كالأنفاق على الحدود ومواجهة إطلاق الصواريخ من حين لآخر والأيام المقبلة ستكون كفيلة بكشف تصرفاته تجاه غزة، إلا أن المؤكد أننا أمام مرحلة سياسية مختلفة ربما تكون مفاجأة بكل المقاييس!؟.