حقائق وأساطير حول «الرومى» و«التبريزى»

أيمن الجندي الجمعة 27-05-2016 21:10

«الرومى» أكبر من مجرد شاعر صوفى، الرومى داعية إلى الحب والسلام. نحن أحوج ما نكون إلى رسالته الروحية فى عصرنا المضطرب. الرومى- لخطابه الكونى العالمى- مُبجل فى جميع الأمم الغربية المتحضرة. من المحزن أن أجهل الناس به هم العرب! بكل ما فى ذلك من دلالات.

■ ■ ■

الحدث الأكبر فى حياة الرومى هو لقاؤه بالدرويش الغامض شمس التبريزى، الذى نُسجت حول لقائه به الأساطير. لذلك وجدت من الأفضل أن نفصل الحقيقة عن الأسطورة:

أولاً: الرومى من مواليد القرن الثالث عشر الميلادى «1207- 1273 ميلادية»، الموافق «604- 672 هجرية»، فى عصر اضطراب سياسى نجم بعد اجتياح المغول الأمة الإسلامية.

ثانياً: وُلد فى بلخ فى بلاد فارس «الواقعة حاليا فى أفغانستان»، وعاش فى قونية «تركيا الحالية»، حيث دُفن.

ثالثاً: هو سُنى، حنفى المذهب. وكان عالِم شريعة مُبجلاً من السلطان محبوباً من العامة. لكنه لم يقرض الشعر قط قبل ظهور التبريزى فى حياته.

رابعاً: جمعت علاقة روحية فريدة بينه وبين شمس التبريزى، الذى لم يكن أكثر من درويش غريب الأطوار. من المؤكد أيضا أن الرومى تبدلت أحواله تماما، وأن التبريزى قد أعاد تشكيله، وأن المجتمع استاء كثيرا من سيطرة درويش غريب الأطوار على أشهر علماء عصره. لكن الرومى أدرك معدن التبريزى النادر، وأنه هو الذى بحاجة إليه وليس العكس. اختلى التبريزى بـ«الرومى» لمدة أربعين يوما يعيد فيها تشكيله الروحى من جديد. ثم اختفى التبريزى فجأة، فبلغ الحزن بـ«الرومى» أن كادت روحه تزهق، فسافر ابنه باحثا عنه حتى وجده وأعاده. لكن التبريزى صارحه بأنه قد اكتمل تكوينه الروحى، ولذلك فهو راحل لا محالة إلى الأبد. وأخبره أيضا بأنه سوف يكتب أعذب الأشعار بعد رحيله، وقد صدق بالتأكيد فى هذه النبوءة.

■ ■ ■

كل ما سبق حقائق، أما الأسطورة فقد جاءت بنكهة الصوفية على النحو التالى:

كان جلال الرومى جالسا على حافة النهر يطالع كتابا، حين وجد درويشا غريب الأطوار يتناول منه هذا الكتاب ويلقيه فى النهر. استشاط الرومى غضبا، فما كان من الدرويش إلا أن مد يده، فالتقط الكتاب جافا تماما. ثم قال للرومى: «فلتبحث عن علم لا يذهب بالماء».

تقول الأسطورة إن الرومى أدرك أن هذا الدرويش يكمن خلفه سر إلهى. ولعله تذكر قصة سيدنا موسى مع الخضر، فطلب منه أن يلزمه. لكن الدرويش أجابه بنفس إجابة الخضر: «إنك لن تستطيع معى صبرا». وحين أعطاه الرومى مواثيق الطاعة فإنه طلب منه طلبا عجيبا، وهو أن يحمل جرة من الخمر، ويذهب إلى السوق ليبيع الخمر للناس.

كاد الرومى يُغشى عليه من غرابة الطلب. إنه عالِم الشريعة المُبجل، فكيف يخالفها؟ لكن التبريزى أصر على شرطه الوحيد، فلما امتثل الرومى بعد عدة ليال من التفكير والقلق قال الناس: «لقد جُن الرومى»، ولم يشتر منه أحد. ولما سقط الليل عاد الرومى إلى التبريزى فى حال يُرثى لها من الخزى والذل، فقال له التبريزى، مفسرا غرابة الطلب: «إن ذاتك كانت قد تضخمت بفعل ثناء العامة وتبجيل السلطان، فكان لابد لك من هذا الدرس القاسى حتى تتواضع، وقتها فقط أستطيع أن أكون دليلك إلى الحب الإلهى، لأنك منذور له».

■ ■ ■

لأسباب مفهومة أتردد فى قبول هذه الرواية ذات النكهة الصوفية، وأرتضى تفسيرا آخر أقرب إلى القبول. وهو- ببساطة- أن كليهما تلاقيا فى الله.