لارى إليوت يكتب: مغادرة بريطانيا أفضل حل لأوروبا التى تحتضر

اخبار الثلاثاء 24-05-2016 21:37

نقلا عن صحيفة «جارديان» البريطانية

«الفيل فى الغرفة».. الجميع يعرف ما يعنيه توقف حاكم المصرف المركزى البريطانى، مارك كارنى، فى منتصف الطريق فيما يخص تحديثه المنتظم كل 3 أشهر للتقارير عن حالة الاقتصاد: «الآثار المترتبة على البريكسيت»، أو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى.

حذر محافظ بنك إنجلترا من احتمال إضعاف الجنيه الإسترلينى، ومن المشاكل المحتملة التى ستواجهها المملكة المتحدة بسبب التضخم فى ميزان المدفوعات. وقال إن البنك يتوقع أن يكون النمو المتوقع ضعيفا وأن يرتفع التضخم. يثق الناخبون فى بنك إنجلترا. هم يجلسون ويراقبون جيدا. بدأت استطلاعات الرأى للتحرك لصالح البقاء. عندما يكتب تاريخ حملة الاستفتاء، يمكن أن ينظر إلى «كارنى» باعتباره صاحب التدخل الحاسم.

فى الحقيقة، كان هناك أكثر من فيل واحد فى الغرفة، وكان «كارنى» على حق عندما قال إن هناك خطرا من أن الاضطرابات الناجمة عن خروج بريطانيا يمكن أن تحول ضعف الاقتصاد بالفعل إلى الركود. لكن بعدما خرج الفيل من الغرفة ظل واحدا أصغر مثل النسخة الهندية. والفيل الأفريقى الكبير كان يمثل الحالة المفجعة فى منطقة اليورو بعد فشل تجربة العملة الموحدة. ولم يكن هذا الأمر محل اهتمام أو تركيز من «كارنى»، رغم أنها ذات الصلة فى النقاش حول أوروبا.

لماذا؟.. لأنه رغم أن بريطانيا من المرجح أن تبقى فى الاتحاد الأوروبى، فـ«البريكسيت» ستبقى قضية حية إلا إذا تمكنت منطقة اليورو من فرز نفسها بها. وهذا يعنى إما الاعتراف بأن اليورو كان خطأ فادحا، أو الذهاب حتى النهاية والاستمرار فى عملية الدمج مع نظام مصرفى واحد، وخزانة أوروبية واسعة، ووزارة مالية منتخبة ديمقراطيا مع صلاحية جمع المال فى ألمانيا وإنفاقها فى اليونان. هذا لن يحدث فى أى وقت قريب، وربما لن يحدث أبدا. تخلت الدول التى انضمت إلى منطقة اليورو عن قدر كبير من القوة الاقتصادية عندما اعتمدت اليورو، لكنها احتفظت بالحق فى زيادة الضرائب الخاصة بها، واتخاذ قرارات الإنفاق الخاصة بها.

بريطانيا ليست فى منطقة اليورو، وهو ما ينبغى علينا جميعا أن نكون شاكرين له. لكن دعونا نكون واضحين: البقاء فى الاتحاد الأوروبى يعنى إيقاف عربة فى منطقة العملة غير القادرة على الذهاب إلى الأمام أو إلى الوراء، والتى ستستمر فى المعاناة نتيجة لذلك.

أسهم اليورو فى تحقيق فكرة اتحاد أوثق، وهى الخطة التى يعود تاريخها إلى أوائل الخمسينيات. وتم اكتشاف أن الكثير من الأفكار التى بدت جيدة آنذاك لم تكن بالفعل مفيدة أو صالحة، فنظام الشقق الشاهقة مرتفعة الأسعار أدى إلى ظهور المزيد من الأحياء الفقيرة؛ فضلا عن الطاقة النووية لتلبية احتياجاتها من الطاقة. وبشكل عام، من المستحيل أن السياسات والأفكار الاقتصادية الخاصة بأى اتحاد ظهرت فى الخمسينيات أن تكون ناجحة وصالحة فى وقتنا هذا.

قضيت فصل الشتاء السابق أنا ودان أتكينسون فى العمل على كتاب حول العملة الموحدة، فى أعقاب الأزمة اليونانية فى الصيف الماضى. باختصار أن ننظر إلى ما حدث من خطأ من وجهة نظر يسار الوسط، لاستكشاف القلق على نطاق واسع حول الطريقة التى تعمل بها الدولة التى صوتت فى يناير 2015، على وضع حد للتقشف الذى انتهى بعد 7 أشهر من اضطرارها لقبول تخفيضات أكبر فى الأجور والإنفاق.

أزمة منطقة اليورو هى أكثر من مجرد اليونان. فهى أصبحت قريبة جدا من إيطاليا، حيث إن الاقتصاد الآن بالكاد أكبر مما كان عليه عندما تم طرح العملة الموحدة.

وفرنسا، حيث البطالة بلغت ضعف مستوى المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة.

وفنلندا، واحدة من أكثر الدول البارعة فى أمور التكنولوجيا فى أوروبا، لكن اقتصادها سجل نموا أقل بنسبة 7٪ مما كان عليه قبل بدء الأزمة المالية.

وحتى فى ألمانيا، أدى ازدهار الصادرات إلى ارتفاع أرباح الشركات للعمال فى شكل زيادات فى الأجور أقل من معدلات التضخم.

وأعادتنا تحقيقاتنا إلى الماضى، حيث آخر مرة أجرت بريطانيا استفتاء على عضوية الاتحاد الأوروبى عندما حذر تونى بن، خلال مناقشات مجلس الوزراء، من أن بريطانيا على وشك الاشتراك فى شىء غير ديمقراطى سيهم فى انكماشها، وسيتم توجيهها لصالح الشركات التجارية الكبرى. وقال «بن» وقتها «أتساءل: ماذا يفعل الرجال خارج الكرملين الذين لديهم الكثير من السلطة دون أى وازع من المساءلة».

وأثبت الزمن مدى دقة رؤية «بن» البائسة. عندما نظر مهندسو أوروبا الجديدة إلى المستقبل، ووضعوا نصب أعينهم نسخة جديدة وأفضل من الولايات المتحدة الأمريكية. إلا أن أوروبا لديها ما لا تملكه الولايات المتحدة نفسها، مثل الدينامية الاقتصادية، وسوق كبيرة خالية من العوائق، وعملة واحدة، مقارنة بالولايات المتحدة التى تعانى من عدم المساواة، ومستويات عالية من المسجونين، والفقر، وعدم العدالة فى توزيع الثروات والدخول.

إذا صحت استفتاءات الرأى، فإن بريطانيا تبدو غير مستعدة للاستجابة لمثل هذا التدمير الخلاق، وعلى قادة أوروبا الذى يحلمون بدخول المملكة المتحدة فى الاتحاد الأوروبى إثبات أن فكرة وجود «أوروبا مختلفة» هو أمر ممكن.

وهناك حاجة إلى «أوروبا مختلفة»، فمنطقة اليورو تحتضر اقتصاديا، ومع ذلك لا تزال السياسات التى فشلت بشكل واضح مستمرة حتى اليوم، ولا تهتم بالديمقراطية، ويديرها نخبة صغيرة لصالح نخبة أخرى مستديمة، وتموت ببطء. يتم إجراء المقارنة الخاطئة. فلا يمكن أن نكون مثل الولايات المتحدة بدون أن يكون لدينا الكرسى الكهربائى، ولا يمكن أن نكون الاتحاد السوفييتى بدون معسكرات العمل.

ترجمة- غادة غالب