حين وقف السادات في مجلس الشعب عام 1977 وأعلن استعداده للذهاب إلى الكنيسيت من أجل أن تصل رسالة السلام إلى الإسرائيليين في عقر دارهم، لم يكن يرتجل كلمات من وحى اللحظة ولكن سبقها إعداد طويل ومشاروات ومداولات علنية وسرية، كما زار دولا لعبت دور الوسيط آنذاك: إيران ورومانيا بالإضافة إلى السعودية.
وحين قام بزيارته التاريخية لإسرائيل فى19 نوفمبر 1977 أبلغ السوريين بالأمر قبلها، لكن لم يجد مؤازرة بل استنكارا واستهجانا.
كان السادات يسعى لمعاهدة سلام تضم إلى جانب مصر سوريا والأردن ومنظمة فتح الممثلة للشعب الفلسطينى، وينتهى على أثرها العداء التاريخى لإسرائيل في العالم العربى.. وينعم العالم العربى وإسرائيل بثمار السلام الدافئ.
مبادرة السادات لم تجد ترحيبا من الدول العربية، وانتهى الأمر بصلح منفرد مع إسرائيل، ومقاطعة مصر ونقل الجامعة العربية من دوبة المقر إلى تونس وخرجت مصر من محيطها العربى وتم تقزيم دورها العربى والإقليمى.
لست بصدد الحديث عن اتفاقية كامب ديفيد أو تحليل بنودها، وهل كانت في صالح مصر أو شابها قصور، فهذا حديث ليس مجاله الآن، فهى واقع مر عليه ما يقرب من 40 عاما.
لكن أنا أريد أن أنبه أن سعى السيسى للقيام بدور السادات، الذي ذكر اسمه مسبوقا بصفة «شهيد»، لم يكن توقيته مناسبا، فقبل الحديث عن مبادرة سلام بين العرب وإسرائيل يجب أن يحسب جيدا أوراق الضغط التي بين يديه.
هناك اختلاف أساسى في التوقيت والزمن بين حديث السيسى عن السلام والسادات، فهذا الأخير كان منتصرا في حرب 73 وكانت مصر حينذاك هي قلب الوطن العربى المستقر سياسيا، الدول العربية النفطية نعمت بطفرة هائلة في دخلها نتيجة ارتفاع اسعار البترول بسبب استخدامه كسلاح صغط في الحرب، واستخدمت ذلك في التحديث والتنمية، وكان الحديث عن التضامن العربى مستساغا.
كانت القضية الفلسطينية في مقدمة اهتمام العالم العربى، أما الآن فتسبقها المشاكل الداخلية التي تعانيها بلدان الربيع العربى، كما أن إسرائيل لم تعد العدو الذي يتكاتف العرب على اقتلاع شوكته، ولكن ظهر أعداء كثر من بيننا ومن خارجنا، ولم يعد السلاح العربى يوجه لإسرائيل لكن يوجه لصدرونا.
تبدلت الأحوال كثيرا في القمة العربية التي انعقدت عام 2002 في بيروت طالب القادة في بيانهم الختامى بمتابعة العمل على تعزيز التضامن العربي في جميع المجالات صوناً للأمن القومي العربي، ووجهوا تحية إكبار إلى صمود الشعب الفلسطيني ونضاله المشروع، كما تضامنت القمة مع لبنان حتى يستكمل تحرير أراضيه المحتلة من إسرائيل وأشادت بالمقاومة اللبنانية في الجنوب، كما وجهت التحية إلى صمود السوريين في الجولان المحتل، وشددت القمة على مقاطعة إسرائيل.
في الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية العرب في مارس الماضى تم تصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية، وقبلها توقفت المساعدات العربية لحماس التي تعتبرها بعض الدول العربية منظمة إرهابية ،الحديث عن الجولان لم يعد له قيمة في ظل حرب تكاد تطيح بسوريا التي نعرفها.
سوريا وليبيا والعراق واليمن بلدان عربية أنهكتها الصراعات والحروب المذهبية والعرقية والجهوية الداخلية، شاركت دول عربية أخرى في تأجيج هذه الصراعات مع الأسف لتؤكد نفوذها وتبسط سيطرتها، داعش تنتقل بحرية من الشام إلى ليبيا وتتسلل إلى سيناء، أسعار البترول تتراجع واقتصاد دول الخليج يتأثر سلبا، الظروف كلها لصالح إسرائيل التي تنعم بالاستقرار وسط هذا اللهيب المشتعل والتحديات الضخمة التي يواجهها العرب.
الاتفاق الأخير بين مصر والسعودية على إعادة ترسيم الحدود ونقل ملكية جزيرتي «تيران وصنافير» للسعودية تمهيد واضح لتوسيع اتفاقية السلام مع إسرائيل الذي تحدث عنه السيسى سابقا.
رئيس الشؤون الخارجية في الكنيست تساحي هنغبي، أشاد بالاتفاق الذي تم بين البلدين وصرح بأن لدى إسرائيل مصلحة في توسيع التعاون مع المحور السني، وتقويته ضد المحور الراديكالي بزعامة إيران، وأضاف: نسعى لربط السعودية ودول الخليج بأكثر من اتفاق السلام، لتأسيس جبهة مناهضة لداعش، وإيران، وحزب الله، وضد جميع اللاعبين الذين يشكلون خطرا علينا.
السعودية لها نفوذ إقليمى كبير في الشرق اﻷوسط لا تريد أن تخسره أمام إيران، وهى في حاجة لمصر وجيشها للاحتفاظ به، وهى مستعدة في هذه المرحلة للتحالف مع إسرائيل لتحقيقه وتقدم ما يثبت حسن النوايا عبر اتفاقية سلام توقع عليها.
عيران ليرمان، أحد كبار الباحثين في مركز بيجن- السادات للدراسات الاستراتيجية يقول: «هناك أربعة يتنافسون على التحكم في المنطقة، وهم إيران، داعش، الإخوان المسلمين، وما أسماه بالقوة الإقليمية المهمة للاستقرار، وهو معسكر يشمل، إسرائيل، ومصر، والسعودية، والأردن، وأضاف: إن نقل الجزر من مصر إلى السعودية من الواضح أنها حصة من صفقة أكبر لربط البلدين معًا، من وجهة نظرنا أي شيء يساعد على الاستقرار المصري جيد جدا».
نقل ملكية الجزيرتين للسعودية هو الخطوة الأولى نحو خطة متكاملة، مبادرة السلام مع إسرائيل جزء منها يليها دمجها مع العرب في مشروع الشرق الأوسط الجديد المطروح من سنوات، ويبدو أنه ينفذ الآن.
ليس لدى إجابات أرد بها على فضول القارئ، لكن لدى أسئلة قد تساعده على الوصول لإجابات تقنعه:
* هل هذا هو الوقت المناسب لاتفاق سلام مع إسرائيل والدول العربية في مثل هذه الحالة المزرية من الانقسام الداخلى وفيما بينها؟
* هل يمكن لإسرائيل أن تكون فعلا سندا للإسلام السنى الذي تتزعمه السعودية في مواجهة الإسلام الشيعى ممثلا في إيران؟ وما الذي تدفعه السعودية والدول العربية في المقابل؟
* هل من صالح العرب التعاون مع إسرائيل للقضاء على حزب الله في لبنان، وحماس في غزة؟
* ما دور سوريا في اتفاق السلام القادم، وهل سيتم الحديث عن الجولان المحتلة، أم سيتم تجاهله وإخراج سوريا من المعادلة؟
عزيزى القارئ، إجابة هذه الأسئلة قد تساعدك في معرفة هل العرب مستعدون للسلام الدافىء، أم أن هناك عواقب وخيمة لهذه الخطوة يمكن أن تجرنا لسلسلة من الإخفاقات مثلما حدث حين وافقنا على الغزو الأمريكى للعراق، الذي كان بداية الفوضى والانهيار الذي نعيشه حتى الآن.
EKTEBLY@HOTMAIL.COM