هناك ضرورة ملحة فى أن يعتمد المحافظون من واقع مسؤولياتهم عن محافظات ومدن مصر بأهل الخبرة والتخصص وليس فقط على الموظفين بدواوين محافظاتهم! لابد أن يكون للفنانين دور فى تحديد شخصية كل مدينة مصرية وكفانا كوارث تشويه مداخل المدن المصرية بأعمال لا تمت للفن بشىء. نرى يوماً بعد يوم طفرة تحدث فى مجالات التنمية بمصر؛ وقد أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى على أن أهل الخبرة والعلماء وأفكار الشباب هم من سيرسمون صورة مصر فى المستقبل؛ فليس أقل من أن يقتضى المحافظون بالرئيس على اعتبار أن كل محافظ هو بالفعل رئيس داخل محافظته.. أقول هذا الكلام بعد ما أزعجنى تصريح المهندس محمد عبدالظاهر، محافظ الإسكندرية، لوسائل الإعلام يتحدث فيه عن استعدادات المحافظة لتشييد أكبر برج عالمى يقام بجوار مكتبة الإسكندرية على أرض كوتة. وأضاف عبدالظاهر أن البرج المخطط له سيكون على شكل فنار الإسكندرية القديم لإحيائه والمحافظة على تراث الإسكندرية وإضافة مزارات سياحية إليها. وأضاف المحافظ أنه سيتم الاستعانة بأكبر المصممين والمهندسين للانطلاق فى المشروع الكبير بالإسكندرية ؛ والذى سيتفوق على برج خليفة العالمى بدبى، سواء فى تصميمه التراثى؛ أو استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة فى تشغيله.
بداية نؤكد على أن مدينة الإسكندرية ليست فى حاجة إلى مزار سياحى جديد، لأنها واحدة من المدن القليلة فى مصر التى تسبح فوق مواقع أثرية لا مثيل لها بأى مدينة أخرى؛ أضف إلى التاريخ العريق عددا من المتاحف النادرة التى لا مثيل لها بمكان آخر. ولذلك فعندما يقام فى دبى برج بهذا الشكل فهذا حق المدينة التى تصنع الآن تاريخها وحضارتها الحديثة. أما الإسكندرية فهى لا تحتاج برجا وإنما تحتاج إلى علاج فورى ودائم لمشاكل الصرف والبناء العشوائى وازدحام الطرق وتهالك المرافق؛ وانتشار القمامة بكل أنواعها وأشكالها فى أحياء وشوارع كانت مضرب المثل فى النظافة؛ أضف إلى ذلك سوء حالة المناطق الأثرية وتعطل مشروع إعادة بناء المتحف اليونانى الرومانى؛ وتطوير محطة الرمل.. والحقيقة أن الإسكندرية تعانى من أزمة ضمير تعصف بعروس البحر المتوسط. إذا كان هناك فائض مادى بالمحافظة فالأولى أن يصب فى علاج مشكلات الإسكندرية؛ ومحاسبة من قاموا بتشويه المدينة الجميلة وهدموا قصورها وفيلاتها وقضوا على الطراز المعمارى السكندري؛ وبالطبع حدث هذا عبر عقود ماضية ولا نلوم المحافظ الحالى على ما وصلت إليه المدينة، وإنما نلفت الانتباه إلى ما تقتضيه المرحلة من مواجهة المشكلات وليس الهروب منها وبناء الأبراج.. وهل تتحمل البنية التحتية المتهالكة برجا مثل برج خليفة بدبى؟ أم أن المحافظ كان يقصد أنه بعد تطوير البنية التحتية والسيطرة على تآكل الشواطئ ومشكلة المواصلات بطريق الكورنيش سيقوم ببناء البرج؟!
لم أسمع عن رأى مكتبة الإسكندرية فى هذا المشروع ورأى مديرها الرجل العظيم الدكتور إسماعيل سراج الدين، الذى جعل دور المكتبة الثقافى وتأثيرها على المستويين المحلى والعالمى أهم وأعظم من الدور الذى تقوم به وزارة كاملة مثل وزارة الثقافة. أرض كوتة هى الأرض المجاورة للمكتبة لا يفصلها عنها سوى شارع واحد؛ وأتذكر أن المكتبة كانت قد وضعت أكثر من تصور لاستخدام أرض كوتة. أعرف أن محافظ الإسكندرية هو عضو بمجلس أمناء المكتبة بصفته الوظيفية، وبالتالى فلا نتوقع اتخاذ أى خطوة من شأنها الإضرار بأهم منشأة ثقافية فى مصر وهى مكتبة الإسكندرية أو بعروس البحر المتوسط، التى ذهبت ابتسامتها منذ زمن ونتمنى أن نراها من جديد.