الفناء فى الله

أيمن الجندي الإثنين 23-05-2016 21:26

(لو كنت تقرأ المقال من خلال وسيط إلكترونى فلا تتردد فى مشاهدة هذا الرابط https://goo.gl/BXK0YY)

...........

رقصة المولوية التى أبدعها مولانا جلال الدين الرومى بإلهام من مرشده الروحى «شمس التبريزى».

الدرويش حين يدور حول نفسه، مثلما تطوف الإلكترونات حول الذرة، ومثلما تطوف الأرض حول أمها الشمس، ومثلما يطوف الحاج حول الكعبة. يدور الدرويش حول نفسه، تتساقط فى البدء ذنوبه، بعدها تتساقط نفسه، قلبه، ذكرياته، يفقد المريد ذاته بالكلية، لا يبق فى النهاية إلا الله.

على مشهد من رقصة المولوية رحت أستمع إلى غزلية مولانا جلال الدين الرومى:

«أيها الراعى.. يا أيها الراعى:

انظر إلى الإبل..

القطيع، واحد تلو الآخر، سكران».

هو بالطبع يقصد بـ(السكر) ذهاب العقل فى حب الإله. الحب حينما يتملك المحبوب، ويأخذ بجميع أركانه، تفنى نفس المحب فى محبوبها، يسكر بالحب الإلهى، حتى إنه يبدو من فرط الوجد كالسكران.

............

الأمير سكران، والتاجر سكران.. «الحبيب والعدو سكران..»

فى حضرة الحب لا فارق بين أمير وتاجر. أو حبيب وعدو. فى حضرة الحب كلاهما سكران بمحبة خالقهما. لا تروعنك الخصومات الأرضية. إن الذئب ليقفز على الغزال ليلتهمه، والغزال يعدو لينجو بحياته، وكلاهما لا يدريان برغم العداوة الظاهرة أن ذرات جسديهما تسبح بحمد الله.

«أيها البستانى..

يا أيها البستانى:

البرق مطرب، والغيوم ساقٍ ذاهب آتٍ

البستان سكران والطريق سكران.

البراعم والأشواك سكرانة..».

يا لها من صورة شعرية بارعة. البرق الذى يخطف الأبصار إنما فعل ذلك من فرط المحبة لخالقه. تجمعت الشحنات الكهربائية الناجمة عن الحب فلمعت. لم يكن فى وسعها إلا هذا اللمعان. وتلك السحب ما هى إلا ساقٍ يحمل كؤوس الحب، فتثمر الأرض بالحب الإلهى، كل ثمرة هى بنت شرعية لحب الله.

براعم الورود سكرانة فى حب الله. وكذلك الأشواك. كلاهما وجهان لعملة واحدة. وجميعها من صنع الله.

يواصل مولانا الرومى غزليته قائلا:

«حال الشكل مثلما ترى..

وعن حال الروح فلا تسأل..

الروح سكران والعقل سكران.

الأرض والأسرار سكران»

إذا كنت ترى على وجهى ملامح العشق، فما بالك بما يعصف بروحى من وجد وعصف ونور ونار.

ثم يأتى ذلك الجزء من الغزلية عن «شمس التبريزى»، ذلك الدرويش غريب الأطوار الذى اقتحم حياة «جلال الدين الرومى» كالإعصار.

«يا شمس التبريزى.. حولك لا أحد على وعيه

الزاهد والخمار سكران».

هذه هى معجزة التبريزى الغامضة. حبه لله تعالى كان أشبه بشمس هائلة متوهجة. كل من اتصل به، كل من تعامل معه، بل كل من شاهده، تحول على الفور لـ(سكران) فى حب الإله. فهل كان هو الراعى الذى يقصده؟ وهل هو البستانى؟

هذه ليست الشريعة. الشريعة صلاة وصوم وزكاة وحج. هذه عين الحقيقة. ليس مطلوبا من كل إنسان أن يحيط بها. ولكن فقط من كانت تركيبته الروحية مستعدة لها. هذه أشياء لم يُخلق العقل ليحيط بها. ولكن ألم يقل جل من قائل: «تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن». ألم يقل: «ولله يسجد من فى السموات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال». ألم يقل: «ثم استوى إلى السماء وهى دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين». ألم يقل: «وإن من شىء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم».

إنه الفناء فى الله....

aymanguindy@yahoo.com