«تانيس» أقصر الشمال

د.حسين عبد البصير الأحد 22-05-2016 22:13

ثمة شعور بالرهبة وإحساس بالجلال والعظمة ينتابانك وأنت تقترب من تانيس. فتحس عندما تلوح معالم تانيس من بعيد أنك تدخل إلى محراب التاريخ، وأنك سوف تشاهد آثار مدينة كتب لها الخلود، وأنك سوف تعيش بين رحاب وجنبات التاريخ، وتنفصل تماما عن أحداث ووقائع الحياة اليومية المعيشة في مصر المعاصرة.

عرفت تلك المدينة الأثرية العريقة بـ«جعنت» في النصوص المصرية القديمة، وفى العبرية بـ«صوعن»، وفى اليونانية بـ«تانيس»، وفى العربية بـ«صان»، وأطلق العرب عليها «صان الحجر»؛ نظرا لكثرة الآثار المبنية من الأحجار بها. وكانت تانيس تقع على الفرع التانيسى لنهر النيل. وتقع مدينة صان الحجر بالقرب من مدينتى الحسينية وفاقوس في محافظة الشرقية في شرق الدلتا، وتبعد حوالى 200 كم عن مدينة القاهرة.

وتعتبر تانيس من أهم المواقع الأثرية في الأرض المصرية. وكانت عاصمة للإقليم التاسع عشر من أقاليم مصر السفلى، وإحدى مدن مصر القديمة الرئيسية، وإحدى عواصم مصر المهمة في دلتا النيل المصرية. وبرزت أهمية تانيس مع نهاية عصر الدولة الحديثة وبداية عصر الانتقال الثالث؛ نظرا لاتخاذها عاصمة لمصر في عصر الأسرتين الحادية والثانية والعشرين المضمحلتين سياسيا والغنيتين أثاريا وتاريخيا.

وبدأت الحفائر الأثرية بتانيس منذ زمن مبكر على أيدى أوجست مارييت ووليام فلندرز بترى. بينما كللت الحفائر المستمرة للعالم الأثرى الفرنسى الشهير بيير مونتيه في الجبانة الملكية بتانيس بالنجاح يوم 27 فبراير عام 1939 حين اكتشف عددا من المقابر الملكية تخص ملوك الأسرتين الحادية والثانية والعشرين وعددا من أفراد العائلة الملكية وبعضا من كبار رجال الدولة. وبلغ عدد المقابر الملكية المكتشفة بتانيس سبع مقابر لمعظم ملوك الأسرتين الحادية والثانية والعشرين باستثناء مقابر الملكين سمندس وآمون إم نيسو من الأسرة الحادية والعشرين، والملكين شاشانق الأول وأوسركون الأول من الأسرة الثانية والعشرين. ومن أشهر المقابر الملكية بتانيس، مقابر الملوك بسوسنس الأول وأوسركون الثانى وشاشانق الثالث.

ومنذ ذلك الحين لفتت تانيس أنظار العالم بآثارها الرائعة والجميلة والكثيرة المستخرجة من مقابرها حتى إن هناك قاعة كاملة خصصت لروائع تانيس بالمتحف المصرى بالقاهرة لا تقل روعة وجمالا بأى حال من الأحوال عن آثار مقبرة الفرعون الذهبى توت عنخ آمون المحفوظة بنفس المتحف. فمن بين تلك الآثار، يجد المرء توابيت ومصنوعات ذهبية وحلى ومشغولات من اللازورد والأحجار الكريمة مثل الأقنعة الجنائزية الخاصة بعدد من ملوك تلك الفترة مثل القناع الذهبى الأشهر للملك بسوسنس الأول. فزيارة واحدة للمتحف المصرى بالقاهرة أو لمدينة صان الحجر نفسها كفيلة بأن تجعل المرء يرجع بالزمن إلى الوراء آلاف السنين ليعيش بين مجد وكنوز مدينة تانيس الذهبية.

ومازالت الحفائر الأثرية في تانيس مستمرة وتثير الدهشة. فقد كشف الأثرى الفرنسى فيليب بريسو هذا العام (2009) موقع البحيرة المقدسة الخاصة بمعبدالإلهة موت (زوجة الإله آمون وأم الإله خونسو اللذين يشكلان مع الإله آمون ثالوث مدينة تانيس المماثل لثالوث مدينة طيبة «الأقصر الحالية»؛ مما جعل من تانيس بمثابة طيبة الشمالية) في حالة جيدة على مبعدة حوالى 12 م من سطح الأرض. وبلغت مساحة البحيرة 12 م عرضا و15 م طولا وحددت بأحجار ملونة من الحجر الجيرى. وهذه هي البحيرة الثانية التي تكتشف بتانيس بعد البحيرة المقدسة الخاصة بمعبدالإله آمون (المعبود الرئيسى للمدينة) في عام 1928 واكتشفت فيما بعد مقابر الملوك بالقرب منه. فهل تخرج لنا حفائر المواسم القادمة مقابر الملكات بالقرب من المعبودة موت وفى رحاب معبدها، كما حدث مع الملوك والمعبود آمون ومعبده من قبل؟ نأمل ذلك حتى تعود تانيس وآثارها الرائعة إلى أذهان العالم أجمع مرة أخرى.