احتاروا مع الشباب.. فقرروا تدجينهم!

طارق الغزالي حرب الأحد 22-05-2016 21:54

لست متأكداً إن كانت دعوة الرئيس لتسمية هذا العام «عام الشباب» هى السبب فيما نقرأ عنه هذه الأيام من مبادرات واقتراحات أم لا، فقد امتلأت الصحف فى الأيام القليلة الماضية بأخبار غريبة وأفكار عجيبة، بعضها خرج من عقول شابة فى العشرينيات من العمر مثل السيد محمد بدران وشلته، وأخرى من شخصيات طاعنة فى السن مثل السيد مكرم محمد أحمد ومَن هم قريبون من جيله، كلها تدور حول محور واحد، وهو كيفية «تدجين الشباب»!

تدجين البشر فكرة قديمة قدم التاريخ، سواء كان يتم ذلك بالقوة القسرية أو الفكرة التبعية خوفاً وترهيباً تارة، أو طمعاً وترغيباً تارة أخرى.. ويبدو أن هناك كثيرا من قيادات الدولة يؤمنون فى داخلهم بأن هناك فعلاً مشكلة بين النظام الحاكم والشباب، الذى هو- شئنا أم أبينا- مستقبلها، ولكنهم لا يرون حلاً لهذه المشكلة سوى المزيد من القمع والاستبداد، فى الوقت الذى يتصورون فيه أن فكرة «تدجين الشباب» سوف تحل مشكلتهم معهم، متجاهلين أن عصور تدجين البشر آخذة فى الزوال من العالم كله بفعل التغيرات المذهلة التى لم يكن يتخيلها أحد فى وسائل تكنولوجيا الاتصالات وتبادل المعلومات فى عصر العولمة وإتاحة المعرفة والأفكار.

لقد قرأت بصحيفة «المصرى اليوم» فى 16/5 عنواناً كبيراً لخبر يُنقل فيه تصريح للسيد محمد بدران، رئيس ما يُسمى «حزب مستقبل وطن»، أنه سيعلن- خلال لقائه مع مستشار إعلامى سابق للبيت الأبيض الأمريكى- عن مبادرة «الجيش الرابع»، التى تضم 27 ألف شاب مؤهلين فى قضايا السياسة والاقتصاد لخوض معارك التنمية وراء القيادة السياسية!

وجاء فى البيان التأسيسى للمبادرة أنها ستضم العديد من القوى والأحزاب السياسية مثل «حماة الوطن» و«الشعب الجمهورى» وأعضاء بمجلس النواب يكونون نواة لمنظومة تتحدى الصعاب وتصنع المستحيل وتبنى الإنجازات، وقرروا لهذه المنظومة اسماً وطنياً خالصاً هو «الجيش الرابع»، اعتزازاً وافتخاراً بجيشنا الذى لم نجد فى الصعاب والمحن غيره.. ومفهوم بالطبع أن هذا الاسم قد اختير لأن للقوات المسلحة جيشين ميدانيين هما الجيشان الثانى والثالث، وبالتالى فإن «جيش محمد بدران الرابع» هو المفاجأة الجديدة، التى قال عنها إنها ستبعث الأمل والعزيمة فى نفوس الشباب حسب نص البيان!

فى اليوم التالى قرأت فى نفس الصحيفة أيضاً أن ما يُسمى «حزب مستقبل وطن» قد أطلق «هاشتاجين» عبر صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعى، الأول هو «هندعم الحلم» والثانى «بدران قائد الغد»، خاصة أن مصادر داخل الحزب قالت للصحيفة إنهم يُجهزون «بدران» ليكون وزيراً للشباب بعد الحصول على الدراسات والدورات اللازمة لتأهيله سياسياً وإدارياً لهذا المنصب بالولايات المتحدة الأمريكية «ملحوظة: تذكروا ما قاله ومازال يقوله إعلام العار بشأن سفر ستة من الشباب إلى صربيا لحضور دورة سياسية لعدة أيام قبل ثورة يناير»!

مع نشر هذه الأخبار قرأت فى صحيفة «الأهرام» عموداً للسيد مكرم محمد أحمد، الصحفى المخضرم، الذى لا يُخفى عداءه لشباب ثورة يناير، يدعو فيه إلى إعادة التفكير فى بناء منظمة جديدة للشباب تستفيد من أخطاء تجربة منظمة الشباب الاشتراكى فى ستينيات القرن الماضى، تكون فى رأيه أكثر ديمقراطية واتساعاً وبمثابة نادٍ مفتوح العضوية، وتتركز أهدافها على ضرورات تحقيق وفاق وطنى يبعد عن مصر غائلة التطرف والغلو ويحرس وحدتها من تآمر طابور خامس يعيش بين ظهرانينا يدمر ويُخرب!

فى نفس الوقت تقريباً قرأت فى «الأهرام» عن مشروع قانون تقدم به النائب المليونير فرج عامر، رئيس لجنة الشباب والرياضة، إلى مجلس النواب لإنشاء ما سماه «المجلس الوطنى للشباب»، الذى تتم إدارته من قِبَل الشباب، بحيث يكون هيئة مستقلة عن الحكومة بهدف إسداء النُصح لها وإقامة قنوات اتصال بين الحكومة والشباب وتعزيز مشاركتهم فى الحوار حول أهم القضايا. هكذا تتبلور الصورة بكل وضوح..

الحل الذى يراه النظام الحالى فى موقف الشباب منه هو تدجينهم ولا شىء غير ذلك.. خلافات وجهات النظر بين نُخبة النظام الحاكم تنحصر فى كيفية القيام بهذه العملية، التى يعتبرونها أساسية للوصول إلى حالة من استقرار الحكم لهم، ومَن يقوم بهذه المهمة، هل هى «وزارة الشباب» أم «المجلس الوطنى للشباب» أم «منظمة للشباب» أم هى تجميع الشباب الضائع فى «جيش بدران الرابع»؟!!

أنا متأكد من أنه لا أحد ممن فى يدهم السلطة والسلطان سيفهم أو يقتنع بما لن أملَّ من تكرار قوله، ولكنى سأقوله وأمرى إلى الله: ارفعوا أياديكم عن الشباب أيها السادة.. نحن فى عصر جديد لا تفلح فيه سياسات التدجين..

اهتموا كل الاهتمام بتعليمهم، ثم حسبهم بعد ذلك الحرية طريقاً.. شَجِّعوهم على الولوج فيه والانخراط فى العمل العام كما يتراءى لهم سواء فى الأحزاب السياسية أو منظمات المجتمع المدنى أو التجمعات الشبابية العالمية.. افتحوا أمامهم النوافذ والأبواب، لعل نسائم الحرية تصنع منهم جيلا جديداً مفعماً بالأمل فى تحقيق أحلامه والرجاء فى غدٍ أفضل على أرض وطنهم.